تفعيل دور الزكاة وكيفية القضاء على الفقر (الحلقة الثانية) عدم ثقة الأفراد بقدرة المؤسسات على توزيع الزكاة يؤدي إلى ضياعها

بلادنا الاثنين ١٩/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
تفعيل دور الزكاة وكيفية القضاء على الفقر (الحلقة الثانية) 

عدم ثقة الأفراد بقدرة المؤسسات على توزيع الزكاة يؤدي إلى ضياعها

عرض - أحمد بن سعيد الجرداني

الإسلام يسع جميع القضايا ويحل مختلف النوازل بدءاً من الإنسان نفسه ومروراً بواقعه، لذلك أولى اهتمامه بالنفس الإنسانية وإصلاحها أيما اهتمام إذ النفس بتزكيتها والارتقاء بطبيعتها تكون أقرب استعداداً لتلقي أوامر ربها والنزول إلى حكمه «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا» وبهذا تظهر ميزة الحضارة الإيمانية الشاملة لانطلاقها من معرفة الإنسان لخالقه وتطبيقه لتعاليمه، وحينما تظهر آثار الإيمان في الإنسان يعم الخير بين البشرية ويشيع الحب والتضامن بينهم وتنتزع من قلوبهم البغضاء والأحقاد، وينطلق بذلك الإسلام إلى غاياته وأهدافه لبناء مجتمعات متماسكة قوية يحنو كبيرها علـى صغيرها ويعطف غنيها على فقيرها...

وحول هذا الموضوع نواصل عرض هذا البحث بتصرف والذي أعده المدير العام للوعظ والإرشاد الشيخ ناصر بن يوسف العزري والذي قدمه لمجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثامنة عشرة.

معاملة مانع الزكاة

أخي القارئ الكريم تطرقنا في الحلقة الماضية إلى التكافل الاجتماعي وكيفية توزيع الزكاة وغيره من الأمور المتعلقة بالزكاة، واليوم نواصل ذلك حيث يقول الشيخ ناصر العزري في مسألة معاملة مانع الزكاة بقوله: وهي مسألة فيما أظن انفرد بها أصحابنا الإباضية عن غيرهم من أهل المذاهب الأخرى اللهم إلا ما ذكر عن بعض أهل العلم في مسألة رد الشهادة وسوف يأتي كلامهم، وذلك أن مانع الزكاة بعد وجوبها عليه وإقراره لها لا يعامل كمعاملة غيره من الناس فلا يبايع ولا يشتري منه ولا يتوكل له ويكون حاله كحال المسجون حتى يرجع عن غيه ويثوب إلى رشده ويصلح ما بينه وبين ربه، وإن لم تكن المسألة موضع اتفاق بينهم ولكن ذكرنا لها من باب اهتمام بعض أصحابنا بمسألة الزكاة واتفاقها مع هذا الموضوع، مراعاة لجانب الفقير وحرصاً على إيصال حقه إليه حيث جعلوا الفقير شريكاً في الزكاة في مال الغني، وهذا من باب معاملة الناس له.
يقول الشيخ السالمي: وذلك أن مانع الزكاة لا يشتري منه شيء مما فيه الزكاة، ولا يبايع بشيء من ذلك، ولا يتوكل له، ولا يعمل معه لأنه متصرف في غير ماله، وهذا كله على قول من جعل الزكاة شريكاً.
ويعامل على قول من جعلها في الذمة فإذا باع غلته التي فيها الزكاة فقيل: لا يجوز بيعها جميعاً وإنما يجوز بيع تسعة أعشارها، وهو حق المالك، وقيل: للمصدق الخيار، فإذا شاء أخذ من الثمن وإن شاء من الثمرة، وهذا القول يوقف تمام ذلك على اختيار المصدق لأنه إن أخذ من الثمن فقد أتم البيع، وإن أخذ من الثمرة لم يتمه.
وقيل: يفسد البيع كله لأنه صفقة واحدة، وهي لا تتجزأ، فإذا فسد بعضها فسد جميعها.
وقيل: إنه بيع فيه عيب إن أتمه المشتري تم وإلا انتقض، وهو مبني على قول من جعل الزكاة في الذمة.
وقيل: يجوز البيع بقدر الخلال، وذلك لأن الخلال لا زكاة فيه حتى يدرك، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، وهذا التجويز مصادم لهذا النهي.
ويقول الشيح ابن عبيدان: وعن رجل وكل رجلاً في ماله، وأمره أن لا يخرج زكاته، وأمره أن يتركها في جملة الطعام أو الدراهم أيجوز له أن يدخل فيه على هذا؟ فإذا كان الوكيل يعلم أن الذي وكّله لا يخرج الزكاة فلا يدخل له في هذه الوكالة.
والناظر إلى هذه المسألة يجد أنها أقرب إلى الواقع الذي نعيشه بعد ضياع الزكاة وذهاب أكثرها بيد المسلمين أنفسهم فليس لها جهة حارسة تأخذها من أغنيائهم لتوصلها إلى فقرائهم، وهو ما ابتليت به كثير من المجتمعات الإسلامية فإذا ما تكاتف أبناء المجتمع الواحد لوجدوا في هذا حلاً جذرياً.
وذكر بعض أهل العلم عدم قبول شهادة مؤخر الزكاة لأن في تأخيرها إصرار على صغيرة والمصر على صغيرة فاسق، وروي هذا عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وبعض أهل العلم منهم، قال الكمال بن الهمام: وهو عين ما ذكره الفقيه أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يكره أن يؤخرها من غير عذر فإن كراهة التحريم هي المحل عند إطلاق اسمها عندهم ولذا ردوا شهادته إذا تعلقت بترك شيء كان ذلك الشيء واجباً؛ لأنهما في رتبة واحدة على ما مر غير مرة وكذا عن أبي يوسف في الحج والزكاة فترد شهادته بتأخيرهما حينئذ؛ لأن ترك الواجب مفسق، وإذا أتى به وقع أداء؛ لأن الشارع لم يوقته بل سكت عنه، وعن محمد ترد شهادته بتأخير الزكاة لا الحج؛ لأنه خالص حق الله تعالى والزكاة حق الفقراء.

جوانب إهمال الزكاة في الوقت الحاضر

ففي هذا يقول الشيخ ناصر العزري: لا شك أن الوعي والإدراك بمسؤوليات المسلم تجاه ربه يزرعان في نفسه الخشية والخوف فيسعى في تطبيق أوامره، وفي المقابل نجد أن الجهل يبعد الإنسان عن الصواب ويوقعه في الشرور والآثام لذا كان من الضروري تبيين الجوانب التي أدت إلى إهمال الزكاة ونضوب إخراجها حتى يكون المرء على بيّنة من أمره، وسلامة من دينه. ويمكن رجع جوانب الإهمال إلى الأسباب التالية:

ضعف الوازع الديني لدى المسلمين في هذا الزمان

من المصائب التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية ضعف الوازع الديني والتهاون في إتيان الواجبات والأحكام، ولا شك أن هذا الأمر جاء من خلال جهل الناس بشرع الله وضعف صلتهم به، وإيمان المرء في الأصل بوابة يُحدد بها سلوكياته وأفعاله، وكلما ازداد إيمانه تجده أكثرهم تعلقاً بربه وأقربهم إلى تطبيق شرعه، وكلما ضعف إيمانه انعكس ذلك على التزامه وانطبع ذلك على أفعاله وأقواله فتراه بعيداً عن تطبيق الشرع يتبع هوى نفسه وهوى الشيطان.
وقلة العلم أساس هذا الأمر لذا لا بد من إخراج الناس من ظلمات جهلهم إلى أنوار العلم، وقد فاضل الله بين الناس بسبب العلم وجعل أساس خشيته واتباع أوامره العلم فقال عز وجل: «إنما يخشى الله من عباده العلماء»؛ لأن العلماء هم مصدر إرشاد هذه البشرية وهم القادرون على تنويرها.

ضعف تطبيق الزكاة في دور المؤسسات وعدم الاهتمام بها

وهذا الضعف أثر سلباً على جباية الزكاة وعلى إخراج الناس لها، فعلى المؤسسات أن تنظر إلى هذا الركن العظيم وتجعله نصب أعينها لتحقق المراد منه.

عدم الثقة بين المؤسسات وبين الأفراد في توزيع الزكاة

وذلك لعدم وجود الثقاة العاملين عليها الملتزمين بشرع الله العارفين لحدوده الضابطين لأوامره فهذه الفجوة الموجودة تباعد بين الناس ودفع الزكاة، إذ كيف يدفع الإنسان زكاة ماله ولا يدري هل تصل إلى مستحقيها أم لا.

القائمون في هذه المؤسسات ليسوا من ذوي الاختصاصات والكفاءات

وهو عين ما ذكرته قبل قليل، فلا بد من قيام المختصين على أمر الزكاة يعرفون أحكامها وينظمون سيرها ويأخذونها من أصحابها ويدفعونها إلى أهلها.

وقوع الخطأ الفاحش في توزيع الزكاة وصرفها

فينتفع بثمرات الزكاة من لا يستحقها، ويحرم منها أهلها وفي هذه الحالة لا تبرأ ذمة المزكي. وهو من المصائب العظيمة التي آل إليها أمر الزكاة.

تطويع الاقتصاد المعاصر بما فيه على حساب الشريعة

فيكون ذلك على حساب الزكاة وغيرها من العبادات أن نسعى إلى تطوير الاقتصاد ناسين أمر الزكاة متناسين حق الفقراء فيها مع أن اقتصاد الدول لا يمكن أن يقوم أو يبارك فيه الله عز وجل ما لم يتم فيه أمره.
فالنظر في جملة هذه الأسباب وقاية من الشرور وحافز إلى تنفيذ أمر الله وبثه بين الناس والمؤسسات وكفيل برتق الفجوة الموجودة بينهما.

وللموضوع بقية..