قرنقشوه موروث لا يجب تأويله

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
قرنقشوه موروث لا يجب تأويله

علي بن راشد المطاعني

أثارت احتفالية قرنقشوه الاجتماعية ‏التي يقيمها الأطفال في منتصف شهر رمضان المبارك هذا العام ضجيجا كبيرا في وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي من قبل شرائح واسعة من المجتمع، وتباينت الآراء بين مؤيد ومحتفل بها كإحدى العادات المتوارثة في السلطنة، وبين متحفظ ومنتقد لها، بل ذهب الأمر ببعضهم لتحريمها كإحدى البدع المستحدثة، إلا أننا نرى أن هذه الاحتفالية لا يجب أن تأخذ حيزا أكبر من وضعها الطبيعي باعتبارها مثل الكثير من العادات والتقاليد والاحتفالات الاجتماعية في البلاد وليست لها أبعاد سلبية تذكر بقدر ما تحمل من مضامين إيجابية مؤطرة ببراءة وابتهاج الأطفال وفرحتهم وربطهم بالماضي بكل تجلياته الرائعة بعيدا عن أقواس الحلال والحرام في العادات المجتمعية باعتبارها إرثا حضاريا ضاربا في القدم والأصالة ينبغي المحافظة عليه كمفردة ثقافية وتراثية عُمانية صرفة.

فليس بالضرورة أن تكون العادات والتقاليد كلها متوافقة مع آراء وتوجهات وقناعات كل شرائح المجتمع ورغباته، وإلا فإن كل الفنون الفلكلورية العُمانية سوف ينسحب عليها ما جرى للقرنقشوه، ‏وبالتالي نتخلى عن كل إرث تاريخي معنوي كبير في قيمته ودلالاته، ونصبح بين ليلة وضحاها دولة بدون مورثات حضارية ولا تقاليد تميزنا عن غيرنا من الشعوب.

لقد ذهب البعض إلى نعتها بالبدعة وإنها دخيلة على المجتمع العُماني‏، وذهب البعض الآخر إلى إنها عادة فارسية ومجوسية وغيرها من النعوت، فهذا في حد ذاته تجن غير مبرر على حضارات مجاورة، لا يجب أن نتوسع فيه، فبعض الفنون الشعبية العُمانية هي خليط من التواصل الحضاري مع الحضارات السابقة سواء كانت فارسية أو أفريقية أو هندية، فمن الطبيعي أن تفرز هذه التركيبة من التداخل وهذا أمر طبيعي ولا غبار عليه.
فعندما نرى الفرحة والبهجة في نفوس أطفالنا بدلا من الحزن والكآبة التي تخيم على حياتنا اليومية جراء ما نشهده من مآس وأحزان تدمي القلوب فهذا الحدث في حد ذاته يستحق التصفيق له، ففرحة وابتهاج فلذات الأكباد هو فرحة لنا بكل المقاييس والدلالات، فليس لنا في الحياة غير أن نراهم هكذا سعداء.
فبقاء هذه العادات المصاحبة لاحتفالاتها الفلكلورية المتوارثة وعبرها نعيد نحن أيضا ذكرياتنا مع هذه العادات الجميلة عندما كنا أطفالا كأطفالنا اليوم، يومها كنا سعداء، وبالتالي فماذا يضيرنا أن نرى أطفالنا أيضا كذلك.نأمل أن ندع هذه العادات الاجتماعية ببراءتها وبهجتها وعدم التشكيك في سلامتها من الجوانب العقائدية والفقهية، ولا يتعين تحميلها أكثر مما تحتمل، فهي وببساطة متناهية موروث شعبي قديم يدخل البهجة والسرور على نفوس فلذات الأكباد وهذا يكفي.