ثواب الشاكر الصابر

بلادنا الخميس ١٥/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص

عزيزي القارئ..

يتجنب بعض الناس الاستمتاعَ بنعم الله تعالى عليهم خوف الكبر والبطر، بينما إظهار النعمة عليهم جائز مع شكر الله تعالى عليها، بل عدم الخلط بين إظهار النعمة وبين رذيلتَيْ الكبر والتعالي على الناس ضرورة يفرضها الدين ويوجبها العقل. فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. فكيف نشكر الله تعالى على نعمة العلم، أو المال... إلخ، وما ثواب الشاكر؟ وما القيمة التي تلازم قيمة الشكر؟ ولعلنا أمام هذا العصف الذهني من القيم التي يدعو إليها الإسلام ويحث عليها رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، الأولى لنا الرجوع إلى مدرسة الإرشاد والتوجيه النبوي خاصة إذا علمنا أن استخدام القوة والصحة وبذل المال في معصية الله تعالى كفر بنعمة الله تعالى يستوجب غضب الله وسخطه؛ فلنتجنب ذلك.

فالشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، وقد وصف الله تعالى نفسه بهذه الصفة العظيمة في مواضع مختلفة من كتابه العزيز، قال جل وعلا: {ومن تطوَّعَ خيرًا فإن الله شاكرٌ عليمٌ}(البقرة: 158)، وقال سبحانه: {ليوفيَهم أجورهم ويزيدهم من فضله، إنه غفورٌ شكورٌ} (فاطر: 30)، فالله سبحانه وتعالى يجزي عباده على الإحسان إحسانًا، ويعدهم بالزيادة على الشكر، يقول الله عز وجل: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنَّ عذابي لشديدٌ} (إبراهيم: 7)، فالمؤمن الشاكر لأنعم الله تعالى يستخدم النعمة في طاعة الله، فيوظف نعمة القوة والصحة في عبادة الله، ومساعدة الضعفاء، ويستخدم نعمة المال ببذله في وجوه الخير المختلفة. وإذا كان شكر الله تعالى يستوجب رضوانه، فإن شكر الإنسان للناس يُعَدُّ نوعًا من أنواع شكر الله تعالى؛ لأن في ذلك حثًّا على استدامة فعل الخير، فعلى الإنسان أن يشكر من قدَّمَ له معروفًا، وإن كان ذلك المعروف من واجبات الإنسان المشكور. وعلى سبيل المثال لا الحصر إذا عَبَّأَ عامل المحطة لك سيارتك بالوقود، ودفعتَ له ثمن ذلك فلا بأس من أن تبتسم له و تقول له: جزاك الله خيرًا، فلها من الأثر النفسي على معنوياته فردًا وجماعةً ما يملأ نفس المشكور غِبْطَةً، ويجعله يشعر بقيمة عمله، وأهميته في المجتمع.

عزيزي القارئ، أختي القارئة..

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر». ومعنى الحديث أن المسلم الذي يشكر الله تعالى على نعمه له من الأجر العظيم والثواب الجزيل مثل ما للصائم الصابر. والصبر خُلُقٌ كريمٌ وقيمةٌ نبيلةٌ امتدح الله تعالى أهلها، ووعدهم عليها بالأجر العظيم، قال سبحانه وتعالى: {إنما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر: 10)، وقد تمثَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القيمة العظيمة، فصبر على أذى قريش في بداية الدعوة، وتحمَّلَ أذى اليهود والمنافقين في المدينة المنورة، فكان صلى الله عليه وسلم إمامًا للصابرين من أمته، يصبر ويأمر أصحابه بالصبر، عملًا بمدلول قول الله تعالى: {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. (العصر: 1-3).
والصبر أنواع؛ فصبر على طاعة الله بالمداومة عليها، وصبر عن معصيته بتجنبها والابتعاد عن مسبباتها، وصبر على المصيبة باحتساب أجرها على الله، وتجنب ما يسخط الله تعالى عند وقوعها. كما حثَّ الإسلام على تحمل أذى الناس وهفواتهم وزلاتهم، واعتبر ذلك دليلًا على الحزم والقوة، قال رسول صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصُّرَعَةِ وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}. وقد قرن الله تعالى في هذا الحديث الشريف ثواب الغني الشاكر بثواب الصائم الصابر، لما لهاتين القيمتين من تلازم وترابط، فالشاكر صابر على الطاعة بأداءِ شكر الله تعالى على النعمة، والصابر شاكر لله تعالى بصبره ورضاه بقضاء الله تعالى وقدره. ويجب على المسلم أن يقول إذا حلت به مصيبة «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون)، أو (اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها)، وهذا يبين أهمية ذكر الله عند المصيبة.

عزيزي القارئ أختي القارئة..

نخلص إلى أن الشكر والصبر من القيم التي يجب أن تلازم المسلم في حياته، فيشكر الله تعالى على السراء، ويصبر على الضراء، مستحضرًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن فإنَّ أمره كله له خير وليس ذلك إلاَّ للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له».