محروم في شهـر الصـــوم

بلادنا الخميس ١٥/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص

عيسى بن صالح بن أحمد الشاعر الشحي
قد يتعجب البعض حينما يسمع أنه في شهر رمضان وهو شهر الرحمة والغفران شهر التوبة والعتق من النار، يكون هناك محرومون في رمضان من رحمة الله ومن مغفرته! وهذه ليست مبالغة إذا نظر الإنسان إلى أحوال الناس في هذا الشهر المبارك، ليسوا سواء في استغلال غنائم هذا الشهر والفوز بالقبول والرحمة فيه، فالناس يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا.

بل جاءت الحقيقة التي تكشف هذا الحال في كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال: «رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب» يا سبحان الله! كلمات كاشفة عن وضع حاصل نراه في واقعنا في كل رمضان، تحذير نبوي من هذا الحال الذي وقع فيه بعض الصائمين والقائمين، إذ يقومون بعبادات وشعائر في الظاهر وهم محرومون من الأجر والثواب! أمر خطير يستدعي من كل واحد منا أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة ويرى حاله هل هو منهم أم لا، لأن الغفلة عن محاسبة النفس والغرور والعجب بالعمل والمن به والتباهي والتصنع وإرادة مدح الناس وثنائهم توقع في مصائب ومحبطات للعمل الذي يعمله وهو لا يدري! وهو لاه في غفلته يحسب أنه يُحسن صُنعًا وهو مسكين محروم.
أذكر قبل سنوات سمعت محاضرة جميلة جدًا ومؤثرة بعنوان محروم في شهر الصوم، فاندهشت وتفاجأت، وقلت في نفسي: وهل يوجد محرومون في شهر الصوم، في شهر الرحمات؟! في شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتفتح فيه أبواب الرحمة؟! أدركت بعدها أن هناك خللًا يقع به الكثير من الصائمين والقائمين، وأنه لا بد من الحذر والمحاسبة والحرص على القيام بالعمل الصالح على ما يحبه الله ويرضاه وليس على ما تكيفه أهواؤنا، ولا نزكي أنفسنا فنحن نُحرم من خيرات ورحمات وبركات كثيرة بسبب غفلتنا وجهلنا بعظمة عبادة الله وأحكامها، وفوق ذلك غفلتنا في توجه قلوبنا إلى ربنا بصدق ويقين وإخلاص ومحبة مع رهبةً ورجاء لننال القبول ونفوز برضاه ونفرح بالأجر والثواب، معانٍ إيمانية كثيرة وجميلة نحتاجها في عبادتنا لربنا.
نعم، يوجد محرومون في شهر الصوم وهذه حقيقة يجب ألا ننكرها، تستدعي منا الخوف أن لا نقع مثل ما وقعوا فيه أو نحن منهم ولا ندري! والله المستعان.
محروم في شهر الصوم من انشغل في استقبال رمضان بتجهيز الجلسات واقتناء ألذ الأكلات وأنواع الحلويات، وشغله الشاغل أن يمتع بطنه ويسمر لياليه، وبهذا المبالغة والاهتمام الزائد حرم نفسه من استقبال رمضان بنية صادقة وعزيمة أكيدة على استغلال أوقاته بوضع جدول لأعماله وترتيب أولوياته والحرص على اغتنام فرصه.
محروم في شهر الصوم من جعل نهار صيامه نومًا وكسلًا فقط، وبهذا حرم نفسه من أداء الصلاة في أوقاتها ومن استغلال وقت صومه بقراءة القرآن والدعاء وذكر الله ويعيش روحانية الصائم العابد لربه.

محروم في شهر الصوم من انشغل بمتابعة الأمور التافهات وبالغ في الملهيات وغالب وقته قيل وقال في الجلسات، وحرم نفسه من التلذذ بالقرآن الكريم تلاوةً وسماعًا وتدبرًا، بالعيش مع آيات القرآن والتأمل فيها وترطيب الأفواه بقراءة القرآن والتسابق لختمه ليل نهار، يستن بذلك بهدي سلفنا الصالح.
محروم في شهر الصوم من لا زال مستمرًا في العصيان ووقته في الفواحش والطغيان غافلا بعيدًا عن عبادة الرحمن، همه فقط قضاء شهواته وإشباع نزواته مضيعًا لمصالحه ومنافعه، يا غافلًا إذا لم تتب في هذا الشهر فمتى تتوب؟! إذا لم تقلع فيه عن المعاصي فمتى تُقلع؟! إذا لم تسع في هذا الشهر لنيل رحمة الله فمتى تسعى؟!

محروم في شهر الصوم من يعيش العقوق مستمرًا في القطيعة وتضييع الحقوق، هذا شهر تفتح فيه أبواب الجنة وأنت لا يزال قلبك قاسيًا متحجرًا متعاليًا بالقطيعة، كيف تريد الجنة والسلامة يوم القيامة وهذا قلبك وهذه هي حالك؟! ألم تسمع قول ربك: {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم} إذا لم يسلم قلبك في هذا الشهر لأهلك وأرحامك ومن حولك فمتى يسلم؟! إذا لم تُطهر قلبك في شهر رمضان فمتى يتطهر؟! يا لشدة خسارتك!
محروم في شهر الصوم من لم يتعظ بغيره وينظر في حال الراحلين قبله ويشاهد ضياع من أمامه، ويعد العدة النافعة لمستقبل أيامه. وما أجمل ما قاله الإمام ابن رجب الحنبلي: «من رُحِم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرِم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم».