زكي بن محمد الرمحي
لو حاولنا البحث في مفهوم الأخلاق لوجدنا تعريفات مختلفة لها، ولكننا نحاول أن نجد القاسم المشترك بين تلك التعريفات، أو بمعنى آخر التعريف الذي أجمعت عليه معظم التعريفات التي وردت عن الأخلاق، وهي في المجمل أن الأخلاق: مجموعة من القيم والمبادئ الإنسانية التي يتربى عليها الإنسان وينشأ وتنمو وتكبر معه، وتعدُّ الأخلاق منهاج حياة، إذ إنها ترتبط بالإنسان ارتباطًا وثيقًا، فهي تلازمه طيلة حياته ما لم تتغيّر أو تتبدل، بل وتصبح سمة بارزة فيه، وبها يوصف، وعليها يُشار إليه، وقد يتبادر للكثير منا أن لفظ الأخلاق، إنما ينحصر في الجانب الإيجابي، أي بما أننا نتحدث عن الأخلاق، فنحن بالضرورة نتحدث عن الأخلاق الحميدة، بينما حقيقة الأمر أن هذا اللفظ لفظ عام يشمل الوجهين، الوجه الإيجابي المشرق، والوجه الآخر، فيمكننا أن نقول: إن فلانًا يتصف بخلق حسن كالصدق مثلًا، وكذلك يمكن القول إن فلانًا يتصف بخلقٍ سيء كالكذب مثلًا، وعلى ذلك فإن كليهما يتخلق بخلق معين، إنما الفرق فقط بين الأخلاق المتضادة، فهذا خلقه خلق حسن كريم وهو الصدق، وذاك خلقه خلق سيءٌ لئيم وهو الكذب.
على أن تلك النظرة الإيجابية إنما هي نظرة صحيحة سليمة دالة على الأمل المشرق المتجدد، والفكر الوقاد المتدفق، والوعي التام المدرك لدى الإنسان، فعند الحديث عن الأخلاق يتبادر أنها الأخلاق الفاضلة الحميدة، وهي العامة السائدة، وغير ذلك إنما هو الشواذ النادر، وبخاصة في تلك المجتمعات الرائدة المتقدمة بأخلاقها الفاضلة النبيلة، وهو ليس شرطًا، وإنما على وجه العموم لا الخصوص، ولتبقى نظرتنا إيجابية، نظرة أملٍ وتفاؤل، ليصفو الفكر، وتتضح الرؤيا. يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز واصفًا الخلق الكريم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: {وإنك لعلى خلق عظيم} تعاظم وتقدس المولى ألا يكون قوله إلا الحق المبين الهادي إلى السراج المنير، وحاشا على النبي الكريم ألا يكون إلا ذا خلق عظيم، فهو متصف بوصفٍ رباني من لدن السميع العليم، كذلك فإن الأخلاق كانت قبل مجيء الإسلام، ولقد اتصفت الكثير من الأمم والشعوب البائدة قبل الإسلام بالكثير من المعاني والدلالات والقيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة التي أقرها الإسلام واعتمدها بل ودعا وأكد عليها بعد مجيئه، ولعل من بينها الصدق والكرم وإغاثة الملهوف وغيرها من القيم التي كانت في الجاهلية وأبقى عليها الإسلام، ودحر بعضها التي لا تتوافق وتعاليمه السمحة.
والأخلاق تبقى وتنمو وتزدهر وتتأصل في المرء، وذلك منذ الصغر، على اعتبار أن التربية السليمة الصحيحة تنبت أخلاقًا حميدة رفيعة، ومع مرور الزمن ومن خلال التفاعل المباشر وغير المباشر، وممارسة أنشطة الحياة اليومية، والتعامل مع الآخر بكل عفوية، والتطبيق الفعلي لتك الأخلاق، كل ذلك يجعلها تتأصل وتتجذر في الإنسان، فهو متى ما حافظ ولازم تلك الأخلاق الرفيعة التي تربى ونشأ عليها متى ما كانت تلك الأخلاق تنمو وتكبر وتبقى معه تلازمه في مشوار حياته، بل إنها تفتح له الأبواب المغلقة، وتنير له الدروب المظلمة، بل أكثر من ذلك وهو أن بقاء الإنسان واستمراره مرهون إلى حد ما بمدى ما يتحلى به من أخلاق فاضلة رفيعة، بل إلى أبعد من ذلك كله، فهي لا تقتصر على الفرد الواحد بل تتعداه لأن تكون سببًا في بقاء الأمم والشعوب، وإن كان البقاء هنا ليس الوجود الحسي أو الجسماني بقدر ما هو وجود معنوي، ولذا يقول الشاعر الكبير وأمير الشعراء أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والأخلاق تعدُّ مفتاح سعد وقارب نجاة، فكما هو معلوم أن صاحب الأخلاق الحسنة الفاضلة الكريمة محبوب لدى الناس، ويطيب ذكره، ويعلو شأنه، وترتفع مكانته بين الناس، على عكس صاحب الأخلاق السيئة الذميمة الذي يكون منبوذًا مكروهًا لدى الناس وغير مرحب به، والأخلاق الفاضلة الكريمة الحميدة الحسنة تعدُّ مفتاحًا للقلوب، فبها يمكن للمرء أن يسكن قلوب الناس، ويكسب ودهم وتقديرهم واحترامهم له.
ولنبق مع بعض الأخلاق الحميدة والسمات النبيلة، والقيم الرفيعة التي جاء بها الإسلام ودعا إليها، وأقرها وأثبتها كونها كانت في الجاهلية قبل الإسلام، ومنها (الصدق، والأمانة، والحلم، والعفة، والحياء...) وهذه الأخلاق كانت في الجاهلية قبل الإسلام، حتى أن العرب قد أودعوا أماناتهم عند الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وقد عُرف بأنه الصادق الأمين، ودام الحال أن الإسلام قد أثبت بعض الأخلاق الحميدة فهو بذلك قد حفظها وضمن استمرارها ودوامها؛ وذلك لأن الإسلام قد أكسب الأخلاق صفة الإسلام ذاته فأصبحنا نقول الأخلاق الإسلامية وهو دين خالد إلى أن تقوم الساعة، وهذا يعني أن الأخلاق الإسلامية مستمدة من تعاليم الدين الحنيف الذي ارتضاه الله للبشرية دينًا، وبه بعث محمد نبيًا ورسولًا، وهو جل جلاله قد أيّد الرسول الكريم بعزته وقوته وحفظه بقوته ومنعته.