علي ناجي الرعوي
ما من أحد يستطيع منع أي مواطن يمني من أن يسأل بصوت مرتفع: ما الموانع الجدية التي حالت على مدى العامين ونصف العام تقريباً من دون إيجاد حل جذري لمعضلة النزاع في اليمن مع أن ما يجري في هذا البلد هو أسوأ من أي نزاع وأبشع من أي حرب بل هو أكبر كارثة عرفها اليمن منذ نهاية الحقبة العثمانية؟ ومع ما ينطوي عليه هذا التساؤل من سذاجة لدى القيمين على ذلك النزاع فإنه الذي يبرز الآمال العريضة التي ظل فريق كبير من اليمنيين يعتصم بها معولاً على توقف عاصفة الحزم بعد أيام أو أسابيع من انطلاقتها كأي عاصفة مناخية سرعان ما تمر لتصفو الأجواء من جديد إيذاناً بعودة فرقاء الصراع إلى طاولة الخيارات السلمية ومعالجة أية مشاكل أو مخاوف عبر الحوار والتفاوض وترميم أي صدع في جدار العلاقات بين اليمن وأشقائه في الإقليم، إلا أن تلك الآمال اصطدمت بالعديد من العقبات حيث تبيّن أن ما تم التخطيط له في هذه العاصفة لم يكن ليتطابق مع عنوانها أو شعارها مما جعلها تستمر كل هذا الوقت وأن تأخذ طابع الزمن المفتوح على الرغم مما خلّفته من خراب ودمار ومن ضحايا بشرية بين قتلى ومفقودين وجرحى ولاجئين ونازحين.كان من الطبيعي وبعد دخول الحرب عامها الثالث أن تتراجع أعداد مَن كانوا يؤيدون التدخل العسكري في اليمن وأن تنخفض نسب مَن كانوا يقفون إلى جانب الأطروحات المتداولة والأهداف المعلنة لذلك التدخل بفعل الأخطاء والخطايا التي رافقت مسيرة التحالف العربي خلال الأشهر الفائتة وهي أخطاء توزعت بين السياسي والعسكري كان من شأنها أن حشرت ذلك التحالف في حرب تجاوزت العوامل الداخلية لتتحول إلى حرب إقليمية تكتسي المفهوم الوجودي الذي يرفض الخروج منها بغير نصر كامل وهزيمة الآخر. واتساقاً مع هذه المعادلة التي تستهدف نصراً كاملاً يمضي التحالف العربي في استراتيجيته العسكرية حتى وهو مَن أصبح مقتنعاً أن نجاح هذه الاستراتيجية ليس مضموناً، وأنه لن يكون هناك منتصرون في اليمن، ولا بد من السير في اتجاه اختراق يقود إلى حل سياسي باعتبار ذلك هو المخرج المنطقي الوحيد لتهدئة الأوضاع في اليمن.
من الواضح أن مسار الحلول في اليمن كان مساراً يلفه الغموض والضبابية حيث ظل مجلس الأمن الدولي يعتمد على المبادرات الصادرة عن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، مع أن تلك المبادرات كانت في الغالب تضع نصف الحلول ولا تكملها مما زاد الأوضاع في اليمن تعقيداً وفرص السلام ابتعاداً.. والآن تحديداً يغدو من الجلي أن البلد قد دخل فعلياً معمعة الفوضى التي لا يمكن التنبؤ بنتائج ما سيجري مستقبلاً في الساحة اليمنية والتي تظهر اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات ومنها انهيار وحدة الدولة اليمنية، وإذا ما استمر العناد والتحدي والمضي قدماً في الحل العسكري فلن يستطيع فرقاء الصراع في الداخل اليمني ولا حتى صانع القرار داخل التحالف العربي، أن يحدد مآلات هذه الحرب والنقطة التي ستنتهي عندها زمنياً وسياسياً وعسكرياً لكن ما يمكن تأكيده أنها التي ستزداد التهاباً في ما هو قادم من أيام ومن المستبعد أن تتوقف عند حدها الراهن مع تطور عوامل الصراع واتساع دائرة حرائقه وهو أمر ستكون له تداعياته الكبيرة وتحولاته غير المحسوبة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقة الجزيرة العربية وتحديداً منها منطقة الخليج.
ليس خافياً على أحد أن الصراع في اليمن أصبح يشكل اليوم اختباراً صعباً لجميع المتصارعين في هذا البلد، كما أنه يمثل امتحاناً أول لسياسة الدول الخليجية وأيضاً لقدرة التحالف العربي على تسويق مشروع الحل السياسي أقله في الظروف الحالية التي تبدو فيها منطقة الخليج أمام مفترق طرق على صعيد دائرة الترابط بين مصفوفة مجلس التعاون، وهي تطورات بقدر ما تضيف مزيداً من الزيت والتعقيدات إلى الحرب المستعرة والمستنقع المفتوح في اليمن، فإنها تكرس لتفتيت غير معلن لمجلس التعاون الخليجي خصوصاً في ظل استشراء التباينات بين بعض دوله وتقاطع الأجندات بين هذه الدول حيث إن الانطباع السائد في اللحظة الراهنة أن ما يجري في منطقة الخليج لا يختلف عما يجري في المنطقة العربية بشكل عام وهو ما يصفه البعض بـ»سايكس بيكو» ثانية لتفتيت المنطقة فوق تفتيتها وتجزئ الدول القطرية العربية فوق تجزئتها.
نخلص من هذا العرض إلى أن الحرب في اليمن ليست محصورة في حدودها بل إن مخاطر استمرارها هو ما قد يجعلها تتخطى تلك الحدود، ومن منظور الواقع يتأكد تماماً أن منطق الحروب الذي يستند إلى معيار أن لكل حرب رابحاً وخاسراً ربما هو منطق لا نراه ينطبق على الحرب في اليمن إن لم يكن على الحروب المعاصرة في المنطقة العربية كلها التي تختلف فيها الأمور عن حروب الآخرين؛ فهي عادة ما يتساوى فيها أكثر من طرف في الربح والخسارة، ولننظر إلى خريطة المنطقة من سوريا إلى ليبيا، ولذلك فإن السؤال الذي يواجهني أينما حللت يتعلق بمسار هذه الحرب وإذا ما كانت الأمور تتجه إلى الحلحلة أم إلى مزيد من التأزيم، والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر اليسير في ظل ضبابية المشهد وتعقد الوضع بشكل كبير الأمر الذي دعاني أن أركز في قراءة ما يجري وفق الاحتمالات الممكنة والسيناريوهات المتوقعة في ظل تدافع الداخل وتدخل الخارج، ومن المؤكد أنه وعند تحديد المعطيات الأساسية فلن نجد من بينها ما يطرح من خيارات الحسم العسكري وخروج أي طرف منتصراً من هذا المستنقع لأن كل المؤشرات توحي أن لا منتصر في اليمن.
كاتب يمني