«السكاكين» تفوقت على السلاح الحديث

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٥٥ ص
«السكاكين» تفوقت

على السلاح الحديث

غازي السعدي
حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو»، تدارك الاتهامات التي وجهت إليه من قبل إسرائيليين ومن وسائل الإعلام الإسرائيلية بالفشل السياسي والأمني، بتغطية هذا الفشل بحملة تحريض غير مسبوقة على المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، لإبعاد الأنظار عن الانتقادات الموجهة له من قبل أبناء جلدته، إضافة لتركيبته العنصرية، ولتصدير أزمته بتجنيد الرأي العام الإسرائيلي، ضد عرب الداخل، ونوابهم في الكنيست، وخاصة أنه يستهدف النواب العرب الثلاثة:«جمال زحالقة» «حنين زعبي» «وباسل غطاس»، للقائهم عائلات منفذي العمليات المطالبين بالإفراج عن جثامين أبنائهم، فهذه الحملة الذي شارك فيها أغلبية أعضاء الكنيست، دفعت لجنة «ضبط سلوك أعضاء الكنيست» في الكنيست، بإبعاد الأعضاء الثلاثة عن جلسات الكنيست ولجانها، لمدة أربعة أشهر، وهذا القرار شمل «حنين الزعبي» و»باسل غطاس»، وحكمت على «جمال زحالقة» بالإبعاد عن الجلسات لمدة شهرين، مع إبقاء حقهم بالتصويت على قرارات الكنيست، وتلقي رواتبهم خلال هذه الفترات.

وليس هذا فقط، فقد دفع «نتنياهو» لتشريع قانون سيتسم طرحه على عجل، وهذا المشروع يقضي بتعليق عضوية النائب في الكنيست بأغلبية (90) عضواً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، بمزاعم أن سلوكه لا يلائم مكانته كعضو كنيست، وفقاً لثلاثة أسباب وهي: رفض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أو التحريض على العنصرية، وهذا يجب أن يطال معظم نواب الكنيست المحرضين العنصريين من «اليهود»، والسبب الثالث: دعم الكفاح المسلح وهذا البند موجه للنواب العرب.
إن تأثير انتفاضة السكاكين في نفوس الإسرائيليين أربكت السلطات الإسرائيلية، وأفقدت الإسرائيليين الأمن في تحركاتهم، حتى أن صحيفة «يديعوت احرونوت» كتبت بأن دولة اليهود أصبحت دولة خوف اليهود، فحكومة إسرائيل، التي تضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بتكريسها للاحتلال والاستيطان، هي أيضاً لا تحترم كرامة الإنسان ودينه، حتى بعد إعدامه دون محاكمة، فإنها لا تحترم مقولة «إكرام الميت دفنه»، المتعارف عليه بين المسلمين، والذي ورد على ألسنة الفقهاء المسلمين، فقد روى الإمام «أحمد ابن حنبل» عن «علي» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يا «علي» لا تؤخرهن:»الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً»، فالحكومة الإسرائيلية لا تحترم أيضاً مشاعر المسلمين بالنسبة لدفن أمواتهم، كما لا تحترم قرارات الشرعية الدولية، فاجتماع النواب العرب الثلاثة بالعائلات الثكلى، تأتي للعمل على إعادة جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، للقيام بدفنهم، فافتعل «نتنياهو» وحكومته زوبعة في فنجان، بالهجوم على النواب العرب في الكنيست، لإلهاء المواطنين اليهود المستائين من «نتنياهو» عبر إلهائهم بقضايا جانبية، وبالتالي زيادة الحملة على المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، لا لسبب بل لأنهم يشكلون شوكة في حلق المحرضين والمتطرفين الإسرائيليين وما أكثرهم، الذين يدعون الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، دون فلسطينيين، ففي الانتخابات الأخيرة للكنيست قبل عام، نذكر تصريحات «نتنياهو» وحثه الناخبين اليهود على الإسراع للتصويت، متذرعاً بأن الناخبين العرب يحضرون بالحافلات بأعداد كبيرة للتصويت في صناديق الاقتراع لزيادة عدد النواب العرب في الكنيست، وبالتالي زيادة تأثيرهم وتغيير الخارطة السياسية الإسرائيلية، ووعوده أثناء المعركة الانتخابية لليهود، أنه لن تقام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ثم جاءت الحملة الثانية من قبل «نتنياهو» بهدم المنازل العربية المقامة دون ترخيص، وجمع السلاح غير المرخص لديهم، فالأبنية غير المرخصة تقدر بالآلاف، وعدم ترخيصها يعود لمماطلة السلطات الإسرائيلية، بعدم المصادقة على الخرائط الهيكلية لبلداتهم.
الحقيقة أن مسألة مشاركة عرب الداخل في الانتخابات العامة، ووجود نواب كنيست عرب، هي مشكلة خلافية داخل المجتمع العربي في إسرائيل، فشرائح واسعة من قيادات عرب الداخل، تطالب مواطنيهم المشاركة بكثافة والإدلاء بأصواتهم، لتعزيز قدرة النواب العرب على مقارعة «نتنياهو» وأمثاله، لكن هناك شرائح أخرى من عرب الداخل تنادي بمقاطعة الانتخابات، ولذلك فإن عدد المصوتين من العرب في الانتخابات الأخيرة، لا يزيد عن 55%منهم مع أن نسبة عرب الداخل تجاوزت الـ 20%من مجموع السكان، ومع أنني تطرقت لهذا الموضوع في المقالات السابقة، فأعود وأؤكد أن وجود نواب عرب وطنيين في الكنيست، لمقارعة سياسات الحكومة العنصرية، ليبقوا شوكة في حلق المعارضين من المتطرفين اليهود، ولإثبات وجود عرب الداخل وحقوقهم الوطنية التي تسعى إسرائيل لتهجيرهم، من خلال تشريع قانون «يهودية الدولة»، وما الحملات اليمينية ضد وجود نواب عرب في الكنيست، إلا دليل على أهمية هذا الوجود، بل يجب تعزيزه، ولنفترض مقاطعة المواطنين العرب للانتخابات فإن الأحزاب الإسرائيلية ستجد من يترشح من عرب الداخل من غير المبالين، ليصبح نائباً، ولتقول إسرائيل أن هناك تمثيلاً عربياً في الكنيست، بغض النظر عن شخصية وأهلية النواب الوطنية.

إن قوة إسرائيل العسكرية، لا تعني أن المجتمع الإسرائيلي محصناً، فالداخل الإسرائيلي منقسم وظهر انهياره جلياً من انتفاضة السكاكين، التي يقودها الجيل الجديد الشاب، وأقل ما أنتجته هذه الانتفاضة، اتساع النقاش داخل المجتمع الإسرائيلي، وبزيادة المنادين بالانفصال عن الفلسطينيين، وأنه لا حل عسكرياً للقضية الفلسطينية إلا بالحل السياسي، فالشارع الإسرائيلي متوتر ومرعوب نتيجة هذه الانتفاضة المتواضعة، فإسرائيل تعيش أزمات متتالية منذ قيامها، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي نشرته جريدة «يديعوت احرونوت 5-2-2016»، أيد 65%من المستطلعة آراؤهم الفصل بين الشعبين مقابل 35%يعارضون، وأن 75%يؤيدون عقد مؤتمر دولي بمشاركة دول عربية لحل القضية الفلسطينية، مقابل رفض 25%، كما أن 62%يؤيدون فكرة الانسحاب من قرى القدس الشرقية وإعادتها للفلسطينيين، مقابل معارضة 38%، حتى أن 57%من مصوتي حزب الليكود، و61%من ناخبي اليمين المتطرف، يؤيدون الانسحاب من قرى القدس.

إن المشاكل التي تواجه إسرائيل رغم عشرات القوانين العنصرية، لا نهاية لها، فإن أنفاق قطاع غزة، التي تصل إلى مساكن الإسرائيليين شرقاً أخذت تحتل العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، بعد شكاوى تقدم بها سكان المستوطنات المجاورين لقطاع غزة، إنهم يسمعون أصوات حفر تحت الأرض، بالقرب من منازلهم، وانطلقت الأصوات لشن حرب على القطاع، وهذه المرة بذريعة الأنفاق، ولتطمين السكان في هذه المستوطنات كشف مسؤولون عسكريون أنهم يديرون حرباً سرية ضد هذه الأنفاق، وأن هذا الموضوع يقف على رأس أعلى سلم أولويات الجيش الإسرائيلي، التي يتصدى لها بجميع الوسائل وأحدثها تكنولوجياً، وباعتقادنا أن «إسماعيل هنية» نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أخطأ عندما صرح بأن حركته، تعمل في البر والبحر وعلى الأرض وتحت الأرض في مقاومة الاحتلال، فإذا كان يقصد بردع إسرائيل من شن حرب على غزة، فإن النتائج قد تكون العكس، فقد جربت إسرائيل جميع الوسائل من حروب، وإجراءات وقتل واعتقالات ومداهمات وقوانين، فلم تؤد جميعها لأمنها واستقرارها، والآن أعلن «نتنياهو» عن تطويق جميع حدود إسرائيل مع الدول المجاورة بالأسوار والأجهزة التحذيرية الإلكترونية، فهذا الحل، وجميع الحلول التي سبقته، لم ولن تكن بديلة عن الحل السياسي، لحصول الفلسطينيين على حقوقهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، فالتخبط والتهديد العسكري الإسرائيلي، ليس دليل القوة، بل دليل ضعف.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية