فريد أحمد حسن
في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل عُقدت الكثير من المؤتمرات الإسلامية في العديد من البلاد الإسلامية شارك فيها الكثير من أصحاب الفكر، كلها ناقشت موضوعات مهمة وخرجت بتوصيات رائعة، لكن أبداً لم تتم ترجمتها على أرض الواقع بل لم يتم حتى تنفيذ القرارات الأساسية التي يفترض أن يلتزم بها كل المشاركين في تلك المؤتمرات التي يدهش الحضور بآرائهم المتميّزة وبفكرهم النيّر وبقدرتهم على بيان سماحة الدين الإسلامي وأنه المرجع والمخرج لكل مشاكل الحياة.
في كل تلك المؤتمرات يتم التأكيد على أن «الإسلام هو دين الوسطية وأنه يرفض الغلو والتطرّف والانغلاق»، وفيها كلها يهتم المشاركون بالتأكيد على «أهمية التصدي للفكر المنحرف بالوسائل المتاحة كافة»، ومنها كلها يتم الخروج بتوصية عن أهمية «تطوير المناهج الدراسية بما يرسّخ القيم الإسلامية في مجالات التفاهم والتسامح والحوار والتعددية». أيضاً فيها كلها يتم التأكيد على أن «حوار الحضارات المبني على الاحترام والفهم المتبادل والمساواة بين الشعوب أمر ضروري لبناء عالم يسوده التسامح والتعاون والسلام والثقة بين الأمم»، وفيها كلها تتم الدعوة إلى «مكافحة التطرّف المتستر بالدين والمذهب وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وتعميق الحوار بينــها وتعزيز الاعتدال والوسـطية والتسـامح»، ولا ينسى المشاركون في تلك المؤتمرات التنديد «بالجرأة على الفتوى ممن ليــس أهلاً لها» والدعوة إلى «إصلاح مجمع الفقه الإسـلامي ليكون مرجعية فقهية للأمة الإسلامية».
مثل هذه التوصيات المهمة وأخرى قريبة منها أو نفسها ولكن مُصاغة بصيغة مختلفة يخرج بها عادة المشاركون في المؤتمرات الإسلامية لكنها لا تجد طريقها إلى الحياة وكأن الهدف فقط هو تضمينها البيان الختامي، أما الدليل على هذا فهو أن الواقع الذي يعيشه المسلمون لم يتغيّر بل على العكس ازداد ويزداد سوءاً عاماً بعد عام بل يوماً بعد يوم حتى وصل الحال إلى إصدار فتاوى الإبادة والقتل على الهوية وتفشت الطائفية البغيضة وزاد الانغلاق.
مثل هذا الأمر يشبه تماماً تأكيدات المؤتمرات المختلفة التي تتناول قضية فلسطين؛ فكلها تؤكد أن هذه القضية هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية وكلها تدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية «منذ العام 1967.. وبما فيها القدس الشرقية والجولان السوري»، وكلها تؤكد وتدعو إلى توحيد الموقف العربي والإسلامي والحل الشامل لقضية فلسطين وفق قرارات الأمم المتحدة الخ... لكن واقع الحال يقول شيئاً آخر ويؤكد أن التقارب الإسرائيلي العربي اليوم أكثر من التقارب العربي العربي أو العربي الإسلامي (قبل أيام انتشر فيديو استفزازي قصير لإسرائيلي يخاطب فلسطينيين في الأراضي المحتلة ويقول لهم ما ملخصه إن مَن كانوا معكم صاروا معنا).
من هنا ليس غريباً أن تظل قضية فلسطين معلّقة وعصية على الحل، وليس غريباً أن يسيطر الغلو والتطرّف والانغلاق، وليس غريباً بالطبع أن يتقاتل الإخوة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وفي العديد من البلاد العربية والإسلامية، والأكيد أنه لن يكون غريباً عدم التوصل إلى حل لكل هذه الأزمات وعدم التمكن من منع امتدادها إلى دول تعتبر اليوم آمنة.
لعل المهتمين بالمؤتمرات الإسلامية والمتابعين يتذكرون النقد اللاذع الذي وجَّهه مفتي الديار المصرية الأسبق د.نصر فريد لهذه المؤتمرات بمناسبة انعقاد واحد أو أكثر منها في القاهرة في مارس 2009 إلى حد أنه «اعتبرها على غير علاقة بصحيح الإسلام ولا تتمخض إلا عن توصيات لا يبحث أحد عن تفعيلها أو تنفيذها على أرض الواقع، وأن المشاركين فيها يتعرّضون لنقد شديد من الشارع الإسلامي، وأن الرأي العام ينظر إليهم بسلبية»، وهو ما أكده آخرون وافقوه على رأيه ورأوا أن هذه المؤتمرات «تحوّلت إلى مظاهر خادعة ومجرد جلسات كلامية تنتهي بولائم ورحلات سياحية على حساب المؤتمر»، ووصفوها بأنها «ظاهرة كلامية لا جدوى منها، وأن الجهات التي تنظمها تعتبرها فرصة لإظهار قدراتها في الاستقبال والضيافة وتنظيم المؤتمرات لكنها لا تعود على الأمة والشعوب الإسلامية بأي أثر».
وبالطبع هناك رأي مخالف لكل هذه الآراء وملخصه أن «العلماء المشاركين في هذه المؤتمرات يبذلون قصارى جهدهم من أجل إيجاد أفضل السبل والحلول لمواجهة مظاهر الفرقة والخلاف التي يعاني منها العالم الإسلامي» وأنها «تتيح لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية فرصة اللقاء والتحاور وطرح الأفكار المختلفة ودراستها دراسة وافية».
المؤسف أن واقع الحال يقول إن هذه المؤتمرات أو أغلبها على الأقل لا تتمخض عن قرارات قوية أو لا يتم تنفيذ قراراتها على أرض الواقع، والمؤسف أكثر أن ذلك الأمر «تحكمه اعتبارات سياسية» وهو «ما يتطلب من العلماء والمفكرين العمل على إيجاد آلية تساعدهم في الوصول إلى توصيات نهائية وآراء معتبرة تصل للنخب السياسية في مختلف دول العالم الإسلامي حتى تضع كل القيادات السياسية تلك التوصيات نصب أعينها عند اتخاذ القرارات»؛ لأن المشاركين فيها لا يمتلكون السلطة التي تمكنهم من فرض ما يخرجون به من قرارات.
قضية تحتاج إلى أن يلتفت إليها العرب والمسلمون كي لا تتفاقم مشاكلهم وكي يجدوا على الأقل حلاً لبعضها، فمن غير المعقول أن ينتهي كل مؤتمر إلى ما انتهى إليه المؤتمر السابق له ويخرج بالتوصيات والقرارات نفسها، فاليوم غير الأمس، على الأقل من حيث إيقاع تطور الأحداث وتســارعها وشــيوع غير الإســلامي، دون أن يعني هذا غياب الاستثناءات فلعل بعض تلك المؤتمرات تهتم بمتابعة القرارات والتوصيات وإن كان أكيداً أن تأثيرها محدود.
• كاتب بحريني