مع اتساع تداول أجهزة الاتصالات بمختلف أشكالها وأنواعها وبرامجها المختلفة، وسيطرة تلك النظم والبرامج على الكثير من أوقات الناس، تراجع اهتمام الناس بالكتاب والعناية به فلا تكاد تجد مَن يلتفت إليه أو يعتني به، وهذا مؤشر كبير على تراجع الثقافة والوعي، وهو ما يعني التأخر الحضاري والتخلف العلمي الذي يعني تدهوراً كبيراً في المقدرات والإمكانيات التي تفخر بها الشعوب.
ومما يحز في القلب أن وسائل المعرفة والقراءة في عصرنا هذا أصبحت كثيرة ومتنوعة بطريقة مذهلة لم تُتح للسابقين، قابلها إهمال للكتاب وتفريط به؛ ولئن كان العلماء الأوائل يضربون أكباد الإبل بحثاً عن المعلومة والكتاب، وإذا ما ظفر به كأنه وقع على كنز ثمين، ومعدن نفيس، لا يكاد يفرّط فيه؛ وهو حال تغيّر في هذه الأيام.
ويدّعي بعض الناس أن القراءة هي ترف زائد يمارسه الإنسان من غير ما ضرورة تستدعيه أو تدعو إليه، بحجة أن وسائل الثقافة متاحة من خلال وجود وسائل التواصل المختلفة التي تنقل الأخبار والجديد من العلوم ونحوها، إذ يكتفي الإنسان بنظرة إلى وسائل الإعلام باستمرار ليصبح واسع الثقافة، متقد الفكر، شامل النظر، وهو أمر يدل على سوء فهم وقصور تصور، فالوصول إلى منابع العلوم ودقائق الحكمة.
ومما يحز في النفس ما نسمعه من إحصاءات تعلن بين الحين والآخر عن ضمور الثقافة والعلم في مجتمعاتنا، وما يقابله من حرص وولهٍ شديدين على الكتاب، وتعلق به تجاوز ما اعتاده الناس ليضعوا تصورات لإيجاد بيئة للقراءة حتى في أحلك المواقف وأصعبها، مع أن مقومات العلم والحضارة في مجتمعاتنا تحفزنا لاصطحاب الكتاب والعناية به في كل وقت وكل حين.
ومن الأمور المحزنة أن بعض طلبة العلم ممن نال نصيباً من العلم والمعرفة وصحب الكتاب فترة من الزمن ليست بالقصيرة يتوقف عن ذلك فور تخرجه والتحاقه بعمل ما، ظناً منه أن القراءة والعلم هي لغرض الحصول على العمل، وما إن يظفر بمقصوده حتى يتنمر للكتاب وكأن عداوة قديمة بينهما فيقع الهجران الدائم والطويل.
وعلاجاً لما ذكرنا من مرض معرفي فإننا بحاجة إلى تضافر جهود أسرية ومجتمعية، وحكومية للنهوض بمستوى التعليم، وخروجه من هذا الوضع المتدني وارتفاعاً به لتصل الأمة إلى مدارج الكمال والسمو العلمي وذلك بالتنشئة الأسرية القائمة على احترام الكتاب وكثرة احتضانه.
ويأتي الدور الكبير على المؤسسات العلمية بمختلف أنواعها من دور الحضانة والرعاية إلى الجامعات ومؤسسات البحث العلمي لوضع البرامج والرؤى والخطط الكفيلة بدفع الهمم والعزائم نحو العلم والكتاب، ورسم البرامج المختلفة، ووضع الجوائز المتنوعة للقراء والمفكرين والباحثين لإيجاد بيئة علمية تُنصف الكتاب وتعرّف له قدره ومكانته.
وبجانب ذلك فإن مؤسسات المجتمع المختلفة خاصة الإعلامية يقع على عاتقها تحبيب الكتاب إلى الجميع صغاراً وكباراً، بعرضه بصورة محببة في برامج إعلامية راقية مناسبة للفكر والثقافة والهوية الإسلامية، مع الاحتفاء برموز الثقافة والفكر.
د.صالح بن سعيد بن هلال الحوسني