الصبر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص

زكي بن محمد الرمحي

لو سألنا البعض عن تعريف الصبر لتبادر إلى ذهنه أن الصبر هو تحمل الألم، وهذا التعريف وارد وصحيح إلى حدٍ ما، إلا أن نطاق تعريف الصبر يتسع ويمتد، حسب فهم كل واحد منا، فقد يرى البعض أنه القدرة على تحمل الألم، والبعض الآخر قد يراه بأنه القدرة على مقاومة الألم، وبعض ثالث قد يراه بأنه تحدٍ لحين تحقيق النجاح، وقد يراه بعض رابع بأنه مقاومة جماح النفس وشهوتها في الملذات، وغير ذلك من التعاريف المختلفة التي تختلف في اللفظ وقد تتفق في المضمون والمعنى، ولعلنا لا نحاول مع هذا التعدد في التعاريف لذات المصطلح -لا نحاول البحث عن تعريفه طالما أن تلك التعاريف تتفق وتتقارب في المضمون، ولنكن على إجماعٍ عام بأن الصبر هو القدرة على تحمل الألم دون التذمر والتشكي، ومواجهة الصعاب دون تشكٍّ أو يأس، والمثابرة على تحقيق النصر، والسعي الدؤوب لبلوغ الغاية والمراد دون كلل أو ملل.وكذلك هو حبس وكظم الغيظ والعصبية في النفس والتزام الهدوء وعدم التسرع أو التصرف بسوء.

والصبر قد يكون غريزة فطرية في الإنسان تولد معه، وتنمو وتكبر بنموِّه وذلك من خلال ممارستها في مواجهة ظروف الحياة، والتعامل معها، فكما هو معلوم فإن الحياة ليست مملوءة بالورود دائماً، وليست سهلة ميسرة دائماً، بل هي ضروب مختلفة ومتنوعة من الورد والشوك والسهولة والصعوبة، واليسر والعُسر، أي أن الحال متقلب وغير دائم، والإنسان مطالبٌ بالصبر والتحمل ومقاومة تلك الضروب المختلفة ليتمكن من العيش والاستمرار فيها، فعلى سبيل المثال، قد يكون البعض منَّا فقيراً لا يملك المال الكثير، رغم حاجته إليه، وبالرغم من فقره إلا أنه مطالب بشيءٍ من الصبر والتحمل، وحسن التدبير وتصريف الأمور ليتمكن من العيش والمواصلة والاستمرار، لا أن يحل به اليأس ويعتريه القنوت، ويفقد الأمل، وهذا مثال من أمثلة كثيرة، والبعض منا يسعى لتحقيق هدفٍ معين، فعليه أن يصبر ويتحمل ليتمكن من تجاوز كل الصعاب والمعوقات التي قد تعترض مسعاه لتحقيق غايته ومبتغاه.

ولقد حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على الصبر، بل ورغبنا فيه، ودعانا إليه، وطالبنا به، وضرب لنا الكثير من الأمثلة على الصبر من الأنبياء والرسل ممن هم من أولي العزم، كما يقول الحق تبارك وتعالى عنهم في الآية الخامسة والثلاثين من سورة الأحقاف داعياً الرسول الكريم إلى الصبر كما صبر أولو العزم من الرسل: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}، وجعل الصبر دليل اختبار وامتحان على مدى التحمل والتمييز بين المجاهدين والصابرين إذ يقول الحق تبارك وتعالى في الآية الحادية والثلاثين من سورة محمد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
وآيات الصبر في القرآن الكريم كثيرة وعديدة، وكثير منها جاءت بأمر، كما يقول الحق تبارك وتعالى في الآية السابعة والعشرين بعد المئة من سورة النحل مواسياً لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ...}، وكذلك الآية الثامنة والأربعين من سورة الطور: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، وهذا أيضاً أمر رباني كريم للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم، وهناك غيرها من الآيات الكريمات الآمرة بالصبر والداعية إليه والمحببة فيه.

وللصبر أنواع ثلاثة وهي: الصبر على الطاعات، والصبر عن المحرمات، والصبر على الابتلاءات، وفي الأنواع الثلاثة هو صبر وتحمل، ففي الطاعات قد تكون بعض المشقة أو التكليف، والإنسان مطالب بالصبر عليها بغية مرضاة الله سبحانه وتعالى، بل إنه كلما كانت المشقة أكبر وصاحبها الصبر الأكثر كان الأجر والثواب أكبر وأكثر، وكذا بالنسبة للصبر عن المحرمات باجتنابها والبعد عنها وهجرها.