ثورة الاتصالات والسعادة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
ثورة الاتصالات والسعادة

أدريان بريدجوتر

هل انتشار المعلومات في كل مكان يغير من أدمغتنا؟ هل حان الوقت لنتحرر من العادات السيئة لبلوغ السعادة الحقيقية

مشكلتنا مع أجهزة الكمبيوتر هي أننا أصبحنا معتمدين عليها، وأحياناً يبلغ اعتمادنا عليها مستويات لا يبدو أنها تجعل حياتنا أفضل بأي حال من الأحوال. بمعنى آخر، إن مشكلتنا مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية هي أننا صرنا لا نستطيع الاستغناء عنها.
أسفر انتشار البريد الإلكتروني ومختلف منصات التواصل الاجتماعي بداية من الفيسبوك وحتى تويتر عن نوع جديد من الإدمان غالباً ما نطلق عليه اليوم «إدمان الإنترنت». ولكن ما مدى تأثير هذا المستوى من الاتصالات الإلكترونية على حياتنا؟ وما التجارب «الحياتية الفعلية» التي تفوتنا جراء هذا الإدمان؟
ترجع المشكلة في الأصل إلى سهولة الوصول إلى المعلومات، وهو ما عكف التقنيون على العمل لتوفيره لنا. فنظرياً يُفترض إنه بإمكاننا الانتقال بين «التصميمات المتعددة» بحيث نظل قادرين على الوصول إلى البريد الإلكتروني ونقاط الاتصال الإلكترونية المفضلة لدينا من الألعاب إلى تطبيقات الكاميرا وما إلى ذلك.
فإذا تركت سيارتك حيث كنت تستمع إلى إحدى الأغنيات عبر الإنترنت، فإن بث الأغنية نفسها سيستمر على هاتفك الذكي بعد أن ترجلت من سيارتك. وداخل منزلك، يأتي دور التلفزيون ليبث الأغنية باعتباره «التصميم» المهيمن حتى تدخل إلى المطبخ. وهناك تلتقط شاشة الثلاجة اللمسية المتصلة بالإنترنت الأغنية، وعلى هذا المنوال أنت على اتصال دائم.
وينطبق هذا السيناريو بالفعل على الكتب الإلكترونية، إذ تسمح لك شركة أمازون بدمج كتابك على جهاز Kindle مع كتاب صوتي من موقع Audible، إذ يجري تلقائياً تحديث رقم صفحة الكتاب على الجهاز بحسب صفحة الكتاب الصوتي التي توقفت عندها في سيارتك، وهكذا يبدأ الكتاب في سيارتك القراءة من حيث انتهيت من القراءة على الجهاز. كما يمكن إضافة تطبيق Kindle على هاتفك الذكي بكل سلاسة.
لقد تفشت ظاهرة إدمان الإنترنت بين جميع الفئات العمرية لدرجة أننا نخضع لفحوصات سريرية لتقييم آثار التكنولوجيا علينا. في الواقع، إننا نشعر بالمتعة لإفراز هرمون الإندورفين في أدمغتنا ونحن نشبع رغبتنا في المراجعة المستمرة للمستجدات على هواتفنا الذكية.
وفي المقابل، فإننا نشعر بالتوتر والقلق بدرجة مكافئة عندما لا تتوفر لنا نقطة الوصول هذه. تخيل أنك على متن طائرة لا تتوفر بها خدمة الواي فاي، أو في منطقة صحراوية نائية لا توجد بها تغطية لشبكة الجوال ... هل يمكنك أن تتخيل مدى هذا الألم؟
يقودنا هذا الإدمان إلى واقع جديد إذ بدأ الناس يتجاهلون العالم الفعلي. وقد ازداد انتشار عصر السيلفي وتصوير الفيديو الذاتي ليصبح هوساً لدى جيل هذه الألفية. فالناس يسافرون آلاف الأميال إلى غراند كانيون في الولايات المتحدة الأمريكية أو إلى وادي رم في الأردن أو حتى إلى الأهرامات في مصر ليسجلوا مقاطع الفيديو لأنفسهم بدلاً من الاستمتاع بمشاهدة ألوان الصخور المتباينة تحت أشعة الشمس وقت الغروب.
ويعلق كيوال فاريا، خبير استراتيجي في مجال التكنولوجيا نشأ في ولاية غوجارات الهندية، قائلاً: «لا ننكر أننا أصبحنا مدمنين على استخدام هواتفنا الجوالة. وحتى عندما لا أعمل، أجد نفسي أراجع المستجدات على هاتفي بصورة لا إرادية. والمشكلة غالباً هي أن ذلك يتكرر كل بضع دقائق، لذلك فأنت لا تدرب نفسك حقًا على قطع الاتصال تماماً. عندما أسافر إلى معلم سياحي وأرى الناس أكثر اهتمامًا بما يمكنهم وضعه على الفيسبوك أو الانستغرام بدلاً من الاستمتاع باللحظة الحالية، فإنني أشعر حقًا بخيبة الأمل. للتكنولوجيا منافع عظيمة، ولكن ربما حان الوقت لنستخدمها كبشر بصورة أفضل».
البريد الإلكتروني هو بيت القصيد في هذه المسألة. فمشكلة البريد الإلكتروني أنه أداة اتصال ممتازة، ولكن لها عيوبها. فكل رد نرسله على بريد إلكتروني يفتح الباب لنقاش متعدد المواضيع. وعندما يتم نسخ العديد من حسابات المستخدمين معًا في خانة النسخة الكربونية (CC)، فليس من المستبعد حدوث إغراق معلوماتي (أي صعوبة فهم مسألة ما واتخاذ القرار بشأنها بسبب الكم الكبير من المعلومات).
وشبكات التواصل الاجتماعي ليست أفضل حالًا؛ ففي معظم الوقت نجد أنفسنا ننشر المشاركات ونرسل الرسائل دون داعٍ ودون أي غرض محدد يتعلق ببلوغ مستوى أعلى من الإنجاز الشخصي.
أطلعنا مدربو الدراسات الحياتية على أن البشر مهيؤون للشعور بالسعادة عندما تسير الأمور كما خططوا لها فقط. لماذا إذن ونحن في العام 2017 لم نتمكن من جعل أجهزة الكمبيوتر تتولى جميع التفاصيل التي تقع بين الأحداث المهمة في حياتنا حتى يمكننا نحن البشر مواصلة مسعانا الشخصي لتحقيق السعادة؟
إليك الجواب، لكنه لن يتحقق بين ليلة وضحاها. تتطور منصات التواصل البشري بمساعدة الكمبيوتر، وقد يندثر استخدام البريد الإلكتروني تماماً في النهاية. ويقوم العديد من التقنيات الجديدة الناشئة حالياً على فكرة الحوار ومشاركة المعلومات داخل مجتمع محدد. وغالباً ما يستتبع ذلك إنشاء ما نطلق عليه «غرف الدردشة الثابتة» إذ يتم تصنيف المناقشات في مجموعات بحسب الفكرة الرئيسية أو الموضوع. ولكن بوسعنا فعل ما هو أكثر من مجرد الدردشة داخل مجتمع مغلق.
لا يوجد شيء غير تقليدي في هذا المنهج؛ فهو ليس إلا طريقة جديدة لإدارة المعلومات أولاً، ثم مشاركتها لاحقاً مع ضبط أكثر انتقائية للعملية. ففي الواقع، هذا يعني أننا نبدأ بتحليل المعلومات وتصنيفها وفصلها وتوزيعها على مجموعات بحسب المرشحات النوعية غالبًا (وبعض المرشحات الكمية أيضًا). وعلى الجانب الآخر، فالبريد الإلكتروني هو مجرد سيل من الرسائل غير المرشحة في معظم الأحوال.
السؤال الأهم هو: هل يمكننا نحن البشر أن نتعلم «الضبط الانتقائي» لأنفسنا بإبعادها عن قنوات الاتصال الإلكترونية التي تهيمن حاليًا على حياتنا؟
تقول فوندا سيزغناكاد، مدير شركة «فندامينتال كوميونيكيشنز Fundamental Communications» في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: «أخذت أسبوعاً كإجازة لحضور جلسات نادي اليوغا في كوبا في شهر يناير، وقد كانت هذه فترة رائعة لتطهير جســمي من السموم البيولوجية وسموم الإنترنت بالكامل. لم تكن هناك شبكة واي فاي في أي مكان، وإن وجدت، تكون بطيئة جدًا مثل الاتصال بالإنترنت عن طريق الهاتف (dial up).
وأضافت فوندا: «فجأة أصبح هاتفي عديم القيمة، أو على أفضل تقدير، أصبح عبارة عن كاميرا صغيرة أصطحبها معي. لقد كنت في سعادة غامرة؛ ولم تعد محادثاتي مع الناس عن آخر الأخبار أو شيء رأيناه للتو على شبكة الإنترنت، بل كانت أكثر ارتباطاً وتعلقاً بالمسائل الشخصية».
وهكذا، نعلم الآن أن استخدام البريد الإلكتروني مثل شرب المياه من خرطوم الإطفاء، أي عند تشغيله ستحصل على سيل غير مرشح من المياه يندفع في وجهك مباشرة. ولا يمكننا سوى الأمل أن تكون سنوات ما بعد البريد الإلكتروني أشبه بشرب مياه الينابيع الصافية في كوب من الحجم المفضل لك وبدرجة الحرارة التي تعشقها.
لقد كان البريد الإلكتروني فكرة عظيمة حقًا عند ابتكاره، فقد ظهر لأول مرة في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت قبل أن يشيع استخدامه في ثمانينيات القرن نفسه، وفي النهاية أصبح مستخدماً في كل مكان بحلول تسعينيات ذلك القرن التي حفلت بنقاط الاتصال والتواصل الاجتماعي. ولكن الزمن تغير، وقد ينتهي عصر البريد الإلكتروني في يوم من الأيام.
لقد عرفنا أخيراً كيفية المشاركة والتعاون والتواصل. والآن نحن بحاجة فقط إلى التخلص من بعض تلك العادات والانقطاع عن الاتصال لبلوغ سعادتنا.

متخصص في شؤون تطوير البرمجيات

وإدارة المشاريع والتكنولوجيا