إعداد - أحمد بن سعيد الجرداني الحلقة السادسة والأخيرة
أخي القارئ الكريم أختي القارئة الكريمة عبر هذا المنبر نواصل تقديم موضوع المسارعة في فعل الخيرات من خلال برنامج دين الرحمة الذي يذاع عبر برنامج إذاعة القرآن الكريم العمانية، وهو من إعداد مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي، ومن تقديم الشيخ د.سيف بن سالم الهادي.
تحقيق مبدأ المسارعة في
الخيرات في واقع حياة المسلم
حول الحديث الذي رواه الربيع بن حبيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجلٍ وهو يعظه: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: أولاً هذا الحديث النبوي الشريف في الحقيقة حينما يتأمله المسلم يجد أن ما فيه من وصايا إنما تتعلق بحال هذا الإنسان، وكيف يمكن له فعلاً أن يحقق مبدأ المسارعة في الخيرات في واقع حياته، لأن الحديث يدعوه أولاً إلى عموم اغتنام الفرصة الذهبية من سنين حياته وهي فترة الشباب «اغتنم شبابك قبل هرمك». ثم يبين أنه يمكن أن يعتري الناس من الظروف والعوائق ما يمكن أن يكون سبباً مانعاً له من فعل الطاعات ومن المسارعة في الخيرات، وهي الصحة، وتحول النعم، واشتغال المرء، وهادم اللذات، ولذلك قال: «وصحتك قبل سقمك» فإذن الصحيح لا ينبغي له أن يغتر بصحته، ويظن أن هذه الصحة سوف تدوم له وبالتالي يُسوِّف ويؤجل ويؤخر بل عليه أن يبادر.. وأن يحافظ على صحته مع مبادرته، ولذلك قلنا إن المبادر يأتي من الأعمال ما يطيق، بحيث تكون الأولوية لأداء الفرائض، ثم بعد ذلك ما يستطيع من النوافل ومن قربات الخير بشتى أنواعها، مثلاً لا يُجزيه أن يتصدق صدقات نفلٍ ولا يُخرِج زكاة ماله، لأن الزكاة ركنٌ من أركان هذا الدين، وهي فريضةٌ واجبةٌ عليه، أما سائر الصدقات فهي من النوافل «صحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك» فإذن ينبغي له -لأن النعم لا تدوم- أن يبادر إلى أن يغتنم حينما ينعم الله سبحانه وتعالى عليه بالغنى والمال والرزق ينبغي له أن يشكر هذه النعم، وأن يغتنم هذه الفرصة حتى تدوم له هذه النعم، وفي الحقيقة هو يعمل لنفسه.. يكسب ويجني ثمار هذه المبادرات لنفسه ولولده، لأن الله تعالى يبارك له في رزقه، ويديم عليه هذه النعم، ويُوسِّع عليه من خيراته، ويفتح له من خزائنه.وكذلك فيما يتعلق بمن كان يملك مزيد وقتٍ.. فمن كان قادراً على أن ينتفع من وقته فلا ينبغي له أن يتراخى ويتكاسل من أن يغتنم هذا الفراغ الذي رُزِقَ إياه، لأن الفراغ لا يدو.وعن مسألة المبادر إلى الخيرات يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: إن مسألة المبادرة إلى الخيرات لا تقتصر على الجوانب المالية المادية. إذ ينبغي للمسلم إن كان يريد لنفسه المبادرة إلى الخيرات والمسارعة فيها ليحوز فضل السبق ينبغي له أن يستحضر نية العبادة في العمل الذي يقوم به، حتى ولو كان عملاً يأخذ عليه أجرة طالما أنه يسعى لكسب رزقه، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى له الأسباب التي تمكنه من نفع الناس فليستحضر نية العبادة، وبالتالي فليصوب نظره نحو الأجر والثواب الذي يتحصل عليه حينما يستغل هذه النعمة في نفع الناس، سواء كان في ذلك إنقاذ لحياتهم أو علاج لهم، أو كان في ذلك مصالح تعود عليهم بالخير وبما فيه المنفعة لأفرادهم وللمجتمع بأسره، فهنا يكون المجتمع لا شك مجتمعاً متماسكاً متراصاً متماسكةً أجزاؤه مبنياً على أساسٍ متينٍ من التعاون على البر والتقوى، أما أن يتخلى كل أحد، ويكتفي بالمقدار الذي يأخذ عليه الأجرة فقط فلا أظن أن نصيبه سوف يكون أكثر من تلك الأجرة.
من ابتلي بالفقر فإن عليه أن يصبر
وحول الحديث «اغتنم خمساً قبل خمس» يقول فضيلة الشيخ د.كهلان الخروصي: نعم نجد في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستعاذة من الفقر، ونجد تشبيهاً للفقر بالكفر، لكن من ابتلي بالفقر فإن عليه أن يصبر، وعليه أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يسعى إلى أن يخرج من تلك الحالة، والمجتمع بأسره مخاطب بأن يلتفت إلى هذا الفقير، وأن يعتني بأمره، وإلا عمتهم المؤاخذة جميعاً إن فرطوا في حق هذا الفقير، ونجد كثيراً في دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو يقول: «اللهم أغننا من الفقر، اقضِ عنا الدين، اللهم إني أعوذ بك من الفقر» لو كان في الفقر خير لتمناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا لا يعني أن عيشة الكفاف هي فقر.. لا، عيشة الكفاف تعني أن يجد الإنسان ما يكفيه، وكم من أناسٍ آثروا عيشة الكفاف وهم يتصدقون بالآلاف، فلابد من الالتفات إلى هذا المعنى.
الحسد من الخصال التي
نهى عنها الشرع
وفي سؤال عن موضوع التنافس ألا يمكن أن يؤدي في لحظةٍ من اللحظات إلى شيءٍ من التحاسد بين الناس مثلاً؟
فأجاب فضيلة الشيخ د.كهلان: نعم هذه نقطةٌ مهمةٌ.. لنبين على شكل نقاط الفارق بين المنافس في الخيرات وبين الحسود -نسأل الله تعالى السلامة- على اعتبار أن القارئ الكريم يعلم أن الحسد من الخصال التي نهى عنها الشرع وذمها، وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صريحٌ في ذلك: «ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً» فالمنافس رجلٌ ذو همةٍ عاليةٍ، ونفسٍ أبيةٍ كريمةٍ، أما الحسود فإنه يحمل في نفسه الحقد والغل، وبذلك هو خسيس النفس، ولا يبادر انطلاقاً من مبدأ، وإنما حسداً للآخرين، وتفويتا للمنافع على الآخرين.كذلك الحاسد يحب الخير لنفسه فقط فهو أناني -بتعبيرنا المعاصر- أما المنافس فإنه يحب الخير لنفسه ولغيره، فلذلك يسعد حينما يحوز غيره السبق، وحينما ينال غيره فضل المسابقة، ويتمنى أن يكون هناك من ينافسهم، لأنه يعلم أن في ذلك نشراً للخير والحق والصلاح في المجتمع، أما الحسود -فكما قلت- لا يحب إلا نفسه، فيكره الخير للآخرين، وبالتالي فإن المنافس المسارع إلى الخيرات يدل غيره على أبواب الخير.. يرشدهم إليه، إذا كان هو لا يستطيع مثلاً فإنه يقول: يا أخي أنت قد وهبك الله الصحة، وهناك عمل خيرٍ أنت قد أنعم الله تعالى عليك بشركاتٍ، وهناك من الفقراء القادرين على العمل من يحتاجون إلى عملٍ، فتجد أنه يسعى للآخرين، أما الحسود فهو على عكس ذلك، يفوت الفرص على الآخرين، ولا يتمناها لهم -والعياذ بالله.المنافس على خلاف الحسود.. المنافس مشغول بإصلاح نفسه.. يريد أن يرتقي بنفسه ويزكيها، الحسود هو مشغول بهدم غيره.. مشغولٌ بأن يفوت الفرص، وأن يضيِّع على غيره، وأن يجلب لهم العثرات والرجوع عن الخير.
الاشتغال النفسي
وعن الاشتغال النفسي يقول الشيخ د.كهلان: هذا يؤدي إلى نتيجة، وهي أن المنافس تجد أنه يسر ويفرح -كما قلنا- حينما يجد أن غيره موفق إلى الخير، لأنه يعلم أن في ذلك خيراً للناس جميعاً، بينما الحسود على خلاف ذلك تجد أنه يصاب بالغم والكرب حينما يجد أن هناك من ينافسه، وأن حسده يعود عليه بالآثار السلبية، ويحزن حزناً شديداً إذا رأى من يناظره في الصنع.. في صنعه.. في عمله.
المصدر: موقع القبس الإلكتروني للشيخ عبدالله بن سعيد القنوبي، (بتصرف).