تبذلها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.. جهود جبارة لتوثيق التاريخ الشفوي في السلطنة

بلادنا الأحد ٠٤/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
تبذلها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية..

جهود جبارة لتوثيق

التاريخ الشفوي في السلطنة

مسقط - العمانية

يعدُّ التاريخ الشفوي حقلاً تاريخياً إسطوغرافياً يتيح للمؤرخ توسيع مجال البحث ودراسة الماضي من خلال ذاكرة منطوقة قوامها روايات الأفراد واستحضاراتهم عن حيواتهم وخبراتهم ومشاهداتهم ولاسيما تلك التي شاركوا فيها وكانوا صانعي أحداث أو قريبين منها أو معاصرين لفترة زمنية محددة، ولم تجد هذه المعلومات والمعارف طريقاً إلى التدوين والتوثيق والكتابة.

ويمثل التاريخ الشفوي في السلطنة الذي تعمل على استقصائه حالياً هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية مصدراً لكثير من المعلومات والمعارف التي تتناقلها الأجيال وترويها الشخصيات المعاصرة للمشاهد والأحداث، وتسعى الهيئة إلى حفظ جانب من الإرث والمخزون العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والأدبي الذي تختزنه الذاكرة البشرية وتحتفظ به ذاكرة العديد من أبناء هذا الوطن ممن كان لهم دور مهم في تلك المجالات وغيرها، أو من الذين عاصروا التطور الذي تعيشه البلاد تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.

وقال مدير دائرة البحوث والدراسات في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والمشرف على مشروع التاريخ الشفوي د.عبدالعزيز بن هلال الخروصي في تصريح لوكالة الأنباء العمانية: إن اهتمام الهيئة بهذا المشروع يأتي إيماناً منها بأهمية توثيق تاريخ عُمان التليد من خلال حفظ الرواية الشفوية وهو إضافة جديدة ومركز إشعاع مهم للمعرفة البحثية، ويعدُّ من الركائز الأساسية في توجه الهيئة لتكوين بيئة داعمة للبحث العلمي وقادرة على الإسهام الفاعل في حفظ ذاكرة الوطن، ولضمان بقائها كرصيد تاريخي حي للبلاد، من خلال إجراء المقابلات التوثيقية مع صناع الحدث أو المشاركين فيه أو مع أصحاب الفكرة والتجربة اليومية.
وأضاف الخروصي أن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية قد أطلقت في العام 2012 مشروع توثيق تاريخ السلطنة الشفوي -المروي- الذي يمثل جزءاً من الذاكرة الوطنية إلى جانب الوثيقة المكتوبة، سعياً منها إلى حفظ هذا التاريخ وقد شُكل فريق عمل متخصص ومدرب في مجال التاريخ الشفوي ومجهز بكل الأدوات الفنية والتقنية التي يحتاجها العمل، وأنشأت الهيئة في مقرها من أجل هذا المشروع أستوديو مخصصاً لإجراء المقابلات والحوارات والبث الحي ومجهزاً بأحدث الأجهزة والأدوات والتقنيات المتطورة في عالم التسجيل والتصوير.
وأوضح أن العمل في مشروع التاريخ الشفوي ستنتج عنه وثائق وملفات تستدعي أنْ يكون تصنيفها وفق نظام إدارة الوثائق الذي تضطلع به الهيئة، ولكي يجري التعامل بكل سهولة ويسر مع المواد العلمية والتسجيلات والمقابلات، وكذلك سهولة الرجوع إليها من قبل العاملين بالمشروع أو حتى الباحثين مستقبلاً، فالمشروع بحاجة إلى مراعاة عدة قواعد أهمها، تصنيف المقابلات بما يتلاءم مع المضمون والمحتوى اجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وإدارياً، وفنياً، وغيرها، وتفريغ المعلومات -المقابلات- من الصيغ الرقمية إلى مادة كتابية مطبوعة، وكذلك مراجعة المادة المفرغة وتقييمها -لغوياً وعلمياً- من قبل لجنة مختصة، أو باحثين مؤهلين للتعامل مع نصوص المقابلات والحوارات الشفوية، وأيضاً التأكد من سلامة الأجهزة المستخدمة في المقابلات، والتأكد من نقل المقابلات من أجهزة المتعاونين إلى أجهزة الهيئة، لضمان سريتها وعدم تسربها إلى خارج الهيئة، وتهيئة الأماكن -المكاتب- المناسبة لإدخال البيانات وإجراء عمليات التفريغ، وإعداد جداول مدد استبقاء للمقابلات لضمان إتاحتها للجمهور بعد خضوعها لمراحل التدقيق والتحليل وفق قانون الوثائق والمحفوظات الوطنية في السلطنة.
وأضاف أن من القواعد أيضاً عدم عرض المادة العلمية المستخلصة من المقابلات إلا بعد التأكد من سلامتها وجودتها وبُعدها عن كل ما يثير بواعث الخلاف، أو يسيء إلى الآخرين، سواء أكانوا أفراداً أو جماعات، أو الإساءة إلى العادات والتقاليد، أو جانب من الجوانب الحياتية.
وقال إن اختراع الطباعة والتطور التقني لم يكن يغني عن التواصل الشفوي فالكلمة ما زالت وستظل الوسيلة الأسهل والأكثر فعالية في نقل المعارف والأخبار والأفكار، وهناك الكثيرون لا يُقدرون قيمة التاريخ الشفوي، فعندما نتحدث عن التاريخ، يجول في خاطرنا التاريخ المكتوب، وتلوح بين ناظرينا الكتب والمؤلفات والوثائق والمجلدات والأوراق، وتُستبعد الوثائق الشفوية.
وأشار إلى أن «التاريخ من حولنا، نجده بيننا أو في مجتمعنا، وحتى بين أسرنا، نجده في تلك الذكريات التي لا تزال بيننا، من خلال الأشخاص سواء كبار السن، أو أصحاب التجارب والخبرات، فعندما نتحاور مع شخص من هؤلاء، فيمكن للباحث أنْ يصدر كتاباً من خلال سماعه أو نقله لمقابلة أو تجربة إنسانية وقف عليها وتحاور مع من كان فاعلاً فيها وشاهداً لها».
جدير بالذكر أن وزارة التراث والثقافة عملت أيضاً خلال السنوات الفائتة على تنفيذ مجموعة من البرامج لجمع التاريخ المروي العماني في مجال توثيق مختلف الموروثات الشعبية العمانية كالفنون الشعبية والعادات والتقاليد والاحتفالات المختلفة للمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية، بالإضافة إلى الحرف والصناعات التقليدية والعمارة العمانية.