المبادرة في فعل الخيرات من حيث القدرة

بلادنا الأحد ٠٤/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
المبادرة في فعل الخيرات من حيث القدرة

إعداد - أحمد بن سعيد الجرداني - الحلقة الخامسة

نحن في هذه الأيام محتاجون إلى أن نتبين هذه الخصلة -المسارعة في الخيرات- وأن نَعرِف معانيها، وأن نَعرِف دلالاتها ومضامينها في كتاب الله عز وجل، ثم كيف ورد موضوع المسارعة في الخيرات في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي هديه الشريف -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- كيف فهم صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- هذه الخصلة النبيلة والخلق الرفيع عنه -عليه أفضل الصلاة والسلام- وكيف طبقوها.

ومن هذا المنطلق أخي القارئ الكريم أختي القارئة الكريمة وعبر هذا المنبر نواصل تقديم موضوع المسارعة في فعل الخيرات من خلال برنامج دين الرحمة الذي يذاع عبر إذاعة القرآن الكريم العمانية، وهو من إعداد مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي ومن تقديم الشيخ د.سيف بن سالم الهادي.

المنافسة تكون في بلوغ الخيرات

في سؤال حول من قد يتسابق ضمن مجموعة فيحصل الأول على الدرجة الأولى، والثاني على الثانية وهكذا، لكن يطلق على الجميع بأنهم فائزون في المسابقة.
رد فضيلة الشيخ د.كهلان الخروصي قائلاً: نعم، وهذا المعنى الذي تذكره نجده أو نفهمه في سورة البقرة في قول الله عز وجل: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، هناك صفة للمؤمنين {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}، وهنا في سورة البقرة نجد أمراً بالتسابق {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}، فإذن هو أمرٌ بالتسابق للمخاطبين الذين هم مجموع المؤمنين، وهنا معنى المنافسة، فالمنافسة تكون في بلوغ الخيرات.. تكون في مصادفة الحق، لأن هذه الآية في السياق الذي وردت فيه حادثة تحويل القبلة وما دار من شبهاتٍ طرحها المشركون والمنافقون وأهل الكتاب تأتي هذه الآية لتقرر {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

المبادرة من حيث القدرة

وحول سؤال يقول: كيف نتعامل مع المبادرة أو المسابقة من حيث النظر إليها من ناحية القدرة.. من ناحية قدرة الشخص؟ مثلاً: شخص أراد أن يتبرع بعشرة ريالات، ولعل هذا الشخص قد حصل على هذه العشرة ريالات بتعبٍ، وشخصٌ آخر لعله حصل على المبلغ نفسه، ولكن في دقائق فقط، فننظر من ناحية القدرة هل هم متساوون في الأجر أم غير ذلك؟
يجيب فضيلة الشيخ د.كهلان قائلاً: فضل الله تعالى واسع، وهو جل وعلا أرحم الراحمين، وأكرم المعطين، وأفضل من قُصِد سبحانه، ومسألة العدد.. مسألة أيهما أعظم أجراً هذه لا شك بيد الله سبحانه وتعالى وتكتنفها شروط، لا شك أن للإخلاص وللنية وحسن المقصد ولمقدار ما بذله هذا الإنسان لا شك أن لكل هذه العوامل مجتمعه دخلاً في مقدار الثواب الذي يناله هذا العبد من جراء ما قام به من عمل.
كما قلتُ -كل العوامل التي ذكرتُها هي التي تُبلِّغ الإنسان الحظ الأوفر من الثواب، حتى الموضع الذي يضع فيه صدقته كما نعلم نحن في مسألة الزكاة مثلاً، حينما لا يطمئن الإنسان إلى أنه وضعها في موضعها الصحيح -وهي زكاةٌ واجبةٌ عليه- فإنه يكون كمانعها، مع أنه أخرج المقدار الواجب عليه، لكنه لم يتحرَّ وضعها في موضعها الذي جعله الله سبحانه وتعالى وعاءً لها -أي للزكاة- فلذلك قال: «والمتعدي فيها كمانعها»، وقالوا إن المتعدي فيها هو الذي يضعها في غير موضعها.
أما في صدقات النفل فلا شك هنا يُنظَر مثلاً شخص يتصدق بنصف ثروته وآخر يتصدق بعشر معشار ثروته، لا شك أن ذلك الذي يتصدق بنصف ثروته مع أن نصف الثروة هذه.. نصف ما يملك قد يكون أقل من عشر معشار ثروة ذلك الآخر، لكن هذا تبرع.. جادت نفسه بنصف ثروته.. بنصف ما يملك، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى قال: {...وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فإذن نحن مع أننا نبشر كل إخواننا بأن فضل الله تعالى واسع، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا نساء الأنصار لا تحقر إحداكن من المعروف شيئاً»، ويأمرهن بالتصدق ولو بفرسن شاة، فلذلك هذا ميدان للتسابق، وهنا ينبغي أن تجود النفوس، لأنها في تجارةٍ مع الله سبحانه وتعالى، وهي تجارةٌ رابحةٌ رائجةٌ لا شك.

الثواب بيد الله سبحانه وتعالى

وحول قضية الاستحياء من بذل النزر اليسير في مقابل أولئك الذين يبذلون أموالاً كثيرة، هل يُقدِمُ أم يُحجِمُ في مثل هذه الحالة باعتبار أن الذي يقدمه شيء يسير جد في مقابل ما يقدمه الآخرون؟
فكان رد فضيلة الشيخ د.كهلان بهذا القول: بل يُقدِم، والثواب هو بيد الله سبحانه وتعالى، والثواب ليس بمقدار ما يعطيه وإنما هو بهذا الإقبال وبهذا السخاء الذي تجود به نفسه وبالتغلب على وساوس النفس والشيطان، وبقصد طاعة الله سبحانه وتعالى، هذا هو الذي يؤجر عليه، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى لا شك غني عن عباده، لكن نجد أن هناك جملة من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبين فضل العمل البسيط إذا كانت الكلمة الطيبة صدقة.. إماطة الأذى عن الطريق صدقة.. في كل تسبيحة صدقة.. فما بالك بالتصدق بشيءٍ يمكن أن يَنتفع به ذلك المُتَصَدَّقُ عليه؟! هناك من الناس من هو محتاجٌ إلى ذلك القليل، وهذا القليل مع القليل من غير هذا المتصدِّق.. سوف ينميه الله سبحانه وتعالى له وينتفع به، فإذن -كما قلنا- الكلمة الطيبة.. «تبسمك في وجه أخيك صدقة» أي أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق هذه صدقة تؤجر عليها، كما في الحديث حينما يقضي شهوته بالحلال يؤجر على ذلك، فإذن لا ينبغي للمسلم أن يتأخر عن فعل الخير ولو كان فعل الخير يسيراً في نظره قليلاً، ثم إنه يعوِّد نفسه أصلاً على الإقبال على هذه الأفعال.. على هذه الطاعات.

قصة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما

يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: في حادثة الهجرة..، لما أتى أبو بكر الصديق جاء بكل ماله، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «ما تركت لأهل بيتك؟» فقال: تركت لهم الله ورسوله، وعمر بن الخطاب جاء بنصف ماله، وقال: تركتُ لهم مثل ما دفعتُ، فقال عمر لما علم بما قدَّم أبو بكر الصديق أثنى عليه وقال: لا نسبقه في خيرٍ أبداً.
فالتسابق هنا يحمل معنى مجازياً لطيفاً وهو بلوغ المطلوب، فهم في هذه الآية {... وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} تأكيد على أنهم يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون.. حائزون.. يَصِلون، فإذاً تتضمن المسارعة إلى فعل الخيرات والإكثار منها، وتتضمن أن هؤلاء الذين أثنى عليهم الله سبحانه وتعالى في هذه السورة يحوزون ما يسعون إليه من الخيرات ومن الإكثار منها، لأن الإحراز هو من لوازم السبق، لما يقال سبق فلانٌ هذا يعني أنه وصل إلى النتيجة.. وصل إلى الغاية المقصودة، وهذا نأخذه من معنى الآية وهي نكتةٌ لطيفةٌ {... وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} دائماً تقديم الجار والمجرور يؤذِن بأهمية هذا المُقدَّم {... وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} دليلٌ على أن هذه الخصلة هي من الصفات المحمودة، وأنها تُبلِّغ آثاراً يحبها الله سبحانه وتعالى، فكأنهم حازوا هذا الشرف حينما بلغوا إلى هذه الغاية بفضلِ ما كانوا يتنافسون فيه.

وللموضوع بقية...