مساعد المفتي العام للسلطنة: المسلم يتحرى المواسم والأوقات لفعل الخيرات

بلادنا الخميس ٠١/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
مساعد المفتي العام للسلطنة:

المسلم يتحرى المواسم والأوقات لفعل الخيرات

إعداد - أحمد بن سعيد الجرداني - الحلقة الرابعة

نحن في هذه الأيام محتاجون إلى أن نتبين هذه الخصلة -المسارعة في الخيرات- وأن نَعرِف معانيها، وأن نَعرِف دلالاتها ومضامينها في كتاب الله عز وجل، ثم كيف ورد موضوع المسارعة في الخيرات في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وفي هديه الشريف -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، كيف فهم صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- هذه الخصلة النبيلة والخلق الرفيع عنه -عليه أفضل الصلاة والسلام، وكيف طبقوها.

ومن هذا المنطلق أخي القارئ الكريم أختي القارئة الكريمة وعبر هذا المنبر نواصل تقديم موضوع حول المسارعة في فعل الخيرات من خلال برنامج دين الرحمة الذي يذاع عبر إذاعة القرآن الكريم العمانية، وهو من إعداد مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي ومن تقديم الشيخ د.سيف بن سالم الهادي.

أهمية فعل الخيرات

دعا فضيلة الشيخ د.كهلان المسلم إلى تحري مواسم فعل الخيرات قائلاً: شأن المسلم دائماً أنه يتحرى المواسم والأوقات التي تكون نفسه فيها مقبلة على الخير، والتي يضاعف الله سبحانه وتعالى فيها الأجور، ويهيئ فيها من الأسباب ما يمكن المسلم من اغتنام هذه المواسم بمبادرات خير يكون له عند الله تعالى بها الأجر العظيم.
وهو موضوعٌ كما بيَّنا في الحلقة الفائتة لا يقتصر على أمور الدين والعبادات فقط، وليس محصوراً في أمور الآخرة وأعمالها، وإنما يمتد لكي يكون من الخصال المحمودة التي دعا إليها هذا الدين حتى فيما يتعلق بأمور الدنيا، فإن ساعات الحياة وعمر هذا الإنسان هو الوعاء الذي أنعم الله تعالى به عليه لكي يشغله ويملأه بما يرضي ربه تبارك وتعالى، وهو لا يعلم متى يقبض الله سبحانه وتعالى روحه، وينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الآخرة .
وباختصارٍ شديدٍ فإننا قد عرَّفنا المسارعة في الخيرات والمسابقة إليها والمسارعة والمبادرة، وقلنا بأنها في استخدامنا نحن هي بمعنى متقارب جداً، وهي كذلك في أغلب الاستخدامات الفقهية الشرعية حيثما ترد، وسوف نبين طرفاً من بعض الفوارق بينها اليوم، لكنها عموماً تعني تقديم العمل في أوقاته التي تدعو الحكمة إلى وقوعه فيه، فلابد كما بينا من وجود حكمةٍ ترشد هذا الإنسان إلى أن يكون مبادراً إلى اغتنام الفرص، غير مفوتٍ لها، غير مضيعٍ للمواسم والمناسبات والفرص التي تتاح له حينما تكون من أعمال الخير، سواء كانت أعمالاً دينيةً عباديةً أو كانت أعمالاً دنيويةً فيها منافع تتفق ومقاصد هذا الدين.
وقلنا بأن العنوان كان المسارعة في الخيرات وليس إلى الخيرات، نظراً لكثرة الاستخدام القرآني لهذا المصطلح، وهو يدل على الأمرين معاً.. يدل على أن من المحمود.. من خُلق هذا الإنســـان وطبعه أن يسارع إلى الخيرات، وأن يكون مسارعاً في إتمامها وإنجازها، فتكون المبادرة ملازمةً له للشروع في القيام بالعمل الصالح أو بفعل الخير أو بالمصلحةٍ التي تتناسب.. تتفق ومقاصد هذا الدين وتعاليمه.

أساس المفاضلة مدى مبادرة

الناس لاغتنام الفرص

وعن موضوع المفاضلة يقول فضيلة الشيخ د.كهلان: التفاضل يتحقق، ويكون أساس المفاضلة هو مدى مبادرة الناس إلى اغتنام هذه الفرص، فليس كل أحدٍ يُدعَى إلى المسارعة يستجيب لهذه الدعوة، وإنما المسلم الحريص الذي أثنى الله سبحانه وتعالى عليه فلبى نداء {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ...} هو الذي يحظى بالفضل الأعلى، ثم إن الناس تتفاوت في مقاصدهم، يكون التفاضل من حيث المقاصد، ومن حيث شرف الأعمال، ومن حيث عظم المنفعة المترتبة على ذلك العمل، فلا ريب أن ما كان نفعه من الأعمال عاماً لكثيرٍ من الناس ودائماً مستمراً خيره وعطاؤه لمدةٍ أطول كان أكثر فضلاً، وكان صاحبه أعلى منزلةً من ذلك الذي يقوم بعمل خيرٍ يرضي الله سبحانه وتعالى لكن أثره يقتصر على نفسه، أو أن مداه لا يكون طويلاً ممتداً، ولذلك في الحديث “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ نافعٍ أو ولدٍ صالحٍ يدعو له”.

الاستخدام القرآني من الدعوة

إلى التسابق في الخيرات

وحول الاستخدام القرآني للمسابقة -التسابق إلى الخيرات يحدثنا فضيلة الشيخ د.كهلان قائلاً: الاستخدام القرآني للمسابقة -التسابق إلى الخيرات- لأنها -كما قلنا- هي رديفة للمسارعة وللمبادرة، لكن سوف نحاول أن نركز على ما ورد في الاستخدام القرآني من الدعوة إلى التسابق في الخيرات، ثم بعد ذلك سوف نعرِّج مرةً أخرى على مسألة الفرق بين المبادرة والعجلة، لأن العجلة تهور.. تؤدي إلى عواقب وخيمة، بينما المسارعة في الخيرات هي من الصفات المحمودة التي لها آثارٌ حسنةٌ حميدةٌ، ولكن بعض الناس في الواقع العملي في أعمالهم وتصرفاتهم لا يحسن التفريق بين هاتين الصفتين، فيظن أنه مبادر في حين أنه متهور -للأسف الشديد- أو يظن أنه حريصٌ مبادرٌ حكيمٌ لكنه كسولٌ متراخٍ في الحقيقة، سوف نقف وقفةً لطيفةً مع ما يمكن أن يظنه بعض الناس من كون المنافسة في الخيرات والتسابق فيها وإليها يمكن أن يؤدي إلى شيء من الحسد بين الناس.

الفوائد التي نستفيدها من كلمتي {يُسَارِعُونَ.. وسَابِقُونَ}

يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
وحول الفوائد التي نستفيدها من هذه الآية خاصةً وأنها اشتملت على كلمتي “يُسَارِعُونَ..وسَابِقُونَ”.
يقول الشيخ د.كهلان: نعم، هذه الآيات من سورة المؤمنون تتحدث عن صفاتٍ محمودةٍ حسنةٍ يحبها الله سبحانه وتعالى يتصف بها أولئك الذين يُبلِّغُهم الله عز وجل المنازل العالية الرفيعة في الدنيا والآخرة، ويصفهم جل وعلا بأبرز ما يتصفون به من صفاتٍ يحبها الله عز وجل بدءاً من عقيدةٍ وإيمانٍ راسخٍ في القلوب {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}، ثم من إيمانهم بالآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} تقريرٌ لعقيدة هؤلاء الذين يذكرهم الله سبحانه وتعالى بعدما ذكر أولئك الذين هم في غمرتهم ساهون، وكأن صفات هؤلاء تناقض صفات أولئك، فأولئك الذين هم في غمرتهم ساهون.. معرضون.. يكذبون.. متصفون بصفاتٍ ذميمةٍ ثم من لطف المقابلة أن جاءت صفات هؤلاء في مقابل صفات أولئك، فذكر الله سبحانه وتعالى أبرز صفات هؤلاء فنجد أن منها بعد الإيمان.. بعد صفات الإيمان الراسخ الذي أورثهم الخشية من الله عز وجل وصدق الإيمان بما أنزل من آيات ونفيهم كل شريكٍ عن إيمانهم بربهم تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.