العجلة الخبيثة..

7 أيام الثلاثاء ٢٣/مايو/٢٠١٧ ٢٠:٤٠ م
العجلة الخبيثة..

في المختبرات الطبية؛ يوضع الفأر في عجلة ليركض، فيعدو ويعدو ضناً منه أنه يتحرك وهو في الحقيقة قابع حيث هو في مكانه! وكثير منا يعيش حياة هذا الفأر المغدور به: يستيقظ ليؤدي ذات المهام وينتظر نهاية اليوم ليعيش روتين «الهروب» و «التنفيس» ذاته.
ينتظر نهاية الشهر ليوفي الالتزامات ذاتها، يتبنى -عاماً بعد عام- الآراء ذاتها على مواقف متجددة.. وشخصية « اللاهث» في مثالنا هذه قلقة: من ضياع الفرص، من المقارنات الهدامة مع الآخرين. من الطمع في المفقود والخشية على الموجود.

لا تنكسر تلك الدائرة الخبيئة إلا بعد أن تعبر سنوات الشباب والعطاء. فيتقاعد المرء ليخرج من تلك العجلة خالقا لنفسه روتينا جديدا رتيبا بعيدا عن ضوضاء حياته الأولى. ولا يناسب هذا الحال الكثيرين؛ فالبعض يعتبر الراحة والتقاعد وما يأتي معه موتا قبل الموت. لذا يفضل أن يبقى أسير قيود العجلة التي تعوّد عليها وتآلف مع أصفادها حتى آخر رمق. فالحرية ثوب لا يناسب مقاسه الجميع. والتغيير انقلاب يهابه الكثيرون.

هل هناك سبيل لكسر هذه الدائرة الموحشة؟
لا يملك الكثير منا رفاهية ترك العمل وسبر أغوار العالم بالسفر وفعل ما يشاء -فقط- وقتما يشاء. لكننا نملك وسائل صغيرة للهرب. شخصيا؛ وجدت في الإبحار بأشرعة الكتب وسيلة للحرية. وغيري وجدها في اليوجا والتأمل. البعض الآخر وجدها في نسج علاقات اجتماعية فيما وجدها البعض الآخر في العزلة وما يأتي معها من «ملوكية» تتوجهُ سيداً لنفسه.

أما أقوانا على الإطلاق من حرر عقله وروحه ولم تعد تفاصيل الأيام تعنيه أو تربكه. بنى علاقة نوعية مع خالقه وأصبح ينظر بعنجهية وتعالٍ على الحياة وما فيها من متع وما يأتي معه من عواصف وزلازل.

تلك النوعية تدخل العجلة وتدور معها ولكنها لا تلهث، ولا تسمح للعجلة بامتصاص طاقتها وإعدام حياتها. تنظر للعمل كواجب يجب الوفاء به. وللأسرة كالتزام محبب ولكن الواجبات عندها ليست مطلقة ولا تتآكل من الداخل بسبب مقارنة حياتها بالآخرين. ولا يهزها انعدام الفرص أو ضياعها ولا تطمع في الحياة أكثر مما قُسم لها.

إنها نوعية هربت بفكرها ووجدانها من العجلة وأصبحت أكبر منها عمليا. تلك النوعية من الشخصيات هي من يجب الاقتداء بها لأنهم فكوا شفرة الحياة وتغلبوا على قمع وتلاعب المختبر.