القاهرة- خالد البحيري
«الحاجة أم الاختراع».. هكذا قالوا.. وهكذا يتصرف المصريون من أجل مواجهة موجة عاتية من الغلاء في أسعار كل شيء، حتى الخضروات والفواكه التي لا غنى عنها لأية أسرة.. اتجه البعض منهم إلى استغلال المساحات الفضاء فوق أسطح المنازل، واستبدلوا مقتنياتهم القديمة التي كانت ترابض منذ سنوات، وحان وقت التخلص منها لعلها توفر هي الأخرى جنيهات قليلة، بشتلات خضراء تتنوع بين نباتات زينة سريعة النمو يمكن بيعها بين الحين والآخر وشراء خضر وفاكهة بثمنها، أو شتلات خضر تسد الرمق وتوفر مبلغاً من المال يمكن استخدامه في أشياء أخرى.
على أية حال.. هو مشروع تجاري متناهي الصغر لكنه يدر عائداً معقولاً وكما يقول البسطاء في قرى مصر: «النواة تسند الزير».. حول هذه التجربة كانت لنا هذه الوقفة لنتعرف على جدواها الاقتصادية، والتقنية التي تقوم عليها، وكميات الماء المستخدمة، وأضرار ذلك على سلامة أسطح المنازل على وجه الخصوص
الباحث في قطاع الإنتاج، بمعهد البحوث الزراعية المهندس طارق عبد الله، أكد لـ»الشبيبة» أن الفكرة ممتازة ومربحة مادياً، سواء تم زراعة نباتات الزينة ومن ثمّ إعادة بيعها، أو تم زراعتها بالخضروات والفاكهة المثمرة، وبالتالي يصبح عند الأسرة صاحبة المشروع اكتفاء ذاتيا من احتياجاتها.
وعن مدى تأثر النبات بمياه الشرب المعالجة كيماويا وخاصة بالكلور، قال: «لا يوجد تأثير فالنبات يمتص نسبة الأملاح والحموضة الموجودة في المياه فقط ويتغذى عليها، والكلور يتبخر بعدد دقائق معدودة، كما يتم الري عن طريق مواسير مغلقة تقلل نسبة البخر والفاقد، وهي من أفضل الطرق لترشيد المياه.
وتابع: لا يوجد أي نوع من أنواع الضرر على أسطح المنازل، فالزراعة تتم بطريقة علمية، وكل خطوة مدروسة بعناية، فالزراعة تتم داخل براميل ممتلئة بالطمي، الذي يطلق علية اسم «البيتموس» (Peat moss) ولهذا النوع مميزات عن غيره أهمها، انخفاض درجة حموضته فضلا عن مساهمته في تحسن مستوى نمو النبات، بالإضافة إلى قدرته على امتصاص الماء وتخزينه، ويعمل على تصريف الماء الزائد ويحافظ على نسبة رطوبة النباتات، وأهم ميزة لهذا النوع من الطمي امتصاص الأسمدة وإعادة ضخها إلى جذور النباتات مع مرور الوقت، مما يعني الاستفادة الكاملة من السماد المضاف وبالتالي التوفير في الكمية المستهلكة منه.
ويستخدم هذا النوع في عملية استصلاح الصحراء عن طريق خلطه بالرمل ليصبح لدينا بيئة صالحة للزراعة، ويساعد النباتات في تهوية جذورها بشكل جيد، فتستطيع الحصول على الغازات اللازمة لصنع غذائها، وعدم تعفنها بتراكم الماء عليها، كما يسمح لها بالنمو الجيد بالإضافة إلى وزنه الخفيف.
وقال: انتهت الآن طريقة الزراعة على السطح مباشرة، أولا لخطورتها على المنزل بأكمله، ثانياً، لتكلفتها الباهظة وما تحتاجه هذه الطريقة من عزل كامل للسطح بمواد تمنع تسرب المياه إلى الطابق الأخير أو توغلها داخل الأعمدة الخرسانية، ويتم اللجوء إلى الزراعة في براميل مملوءة بالطمي ولها طريقة في صرف المياه الزائدة دون المساس بالسطح وعوامل الأمان فيه.
وفي السياق ذاته، قال استشاري الزراعات المائية «الهيدروبونيك» د. سيد علي ماهر: بدأت فكرة زراعة الأسطح أو «لاند سكيب» بالنباتات المثمرة والتي نعتمد عليها في الغذاء وليس الزينة، العام 2011، وبالفعل بدأنا بزراعة نباتات ملونة قريبة من شكل الزينة، ثم طورنا، حتى وصلنا للشكل الحالي من الزراعة، وبدأنا تعميمها على مداخل العمارات والأسطح.
وأضاف: زراعة الـ «الهيدروبونيك» هي زراعة بذور النباتات، في محلول مائي مغذٍّ، يحتوي على العناصر الرئيسية التي يحتاج إليها النبات ولا نحتاج إلى تربة زراعية أو نقل طمي أو غيره، وبهذه الطريقة لا نحتاج إلى مساحات كبيرة، فالمتر الواحد نستطيع وضع من 30 إلى 45 شتلة، لكن لو زرعناها بالطريقة العادية فهذا العدد يحتاج إلى 6 أمتار، وتمتاز الزراعة المائية أيضا بأنها غير مستهلكة للمياه فهي تستهلك فقط 5% فقط مقارنة بالطرق التقليدية، وأيضا نفس الكمية الضئيلة من الأسمدة.وتابع: أطلقنا العام 2012 حملة، «مزرعتك في بيتك» من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفاكهة، لكنها لم تلق صدى واسعا نظرا لانخفاض أسعار الخضار والفاكهة في حينها، لكن الآن ذاع صيتها نظراً لارتفاع الأسعار ثلاثة أضعاف.. الآن من الممكن أن تنفق الأسرة الواحدة ما يقارب من 1500 جنيه (80 دولاراً تقريبا)، على الخضار والفاكهة، وهذا ما دفع الكثير لتبني فكرتنا، وساعد على انتشارها، ولكي نشجع الكثير على الإقدام على التجربة، قررنا أن ننشأ المزرعة ونتكفل بتكلفتها كاملة، ونأخذ نصف أموالنا عقب الانتهاء من الزراعة والنصف الأخر من عائد المحصول.وأضاف: ليست الأسعار فقط من ساعدت في نشر فكرة «مزرعتك في بيتك» بل أيضا جودة المنتج الذي تنتجه، فهو صحي فلم يروى بماء المجاري، وخالي من المبيدات وسرطان التربة، لأننا لا نعتمد على تربة أساساً، و طازج، فالجميع يستخدم قدر حاجته فقط. وهناك دراسة أعدتها منظمة الأغذية العالمية «الفاو» تقول إننا في مصر نستهلك فقط من 30% إلى 40% من إنتاجنا من الخضار، والباقي هالك خلال رحلة جمعه من الأراضي الزراعية وحتى وصوله إلى المستهلك. واستكمل: لهذه الطريقة فوائد عدة منها، تنقية الجو، وتنظيف الأسطح، وكسر شدة درجة الحرارة عن الشقق الملاصقة للأسطح، كما أن زراعة مساحة قيراط واحد (176 متراً مربعاً) بـ «الهيدروبونيك»، ينتج 6 أضعاف ما تنتجه زراعة قيراط بالطريقة العادية.وعن اهتمام الدولة بالمشروع، قال: «الاهتمام كبير بالمشروع وقد أنشأت بالفعل أكثر من مزرعة، ومنها مشروع غيط العنب الذي يعتمد بشكل رئيسي على زراعة الأسطح بتقنية الهيدروبونيك».