الذين ألقوا أقلامهم

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٥٥ ص

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

عندما كنت أكتشف الكتابة منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لم أكن أعي معنى الرأي، إذ كانت فكرته بسيطة في مخيلتي: أن أعبّر عمّا أريد، قضايا يتم التحدث عنها كما يتحدث الباقون، عن قريتي، غلاء المهور، كرة القدم، المشاعر، وأشياء أخرى بسيطة نعرفها في الحياة من حولنا.

لكن الالتحاق بالصحافة عام 1987 عرّفني على الكتابة من زوايا مختلفة، أن يكون هناك رأي فيما يكتب، رأي قد لا يوافق ما نسميه بالرقيب، ووكلاؤه كثر، فيتم تنقية المقال مما يخالف، أو لا يرضي، أو يمكن تأويله بقراءة تنمّ عن سوء ظن أن الكاتب ممتلك لخبث «جوّاني». وبموازاة ذلك تعرفت على من يعدّون «خارجين عن النص» وينبغي الحذر من كتاباتهم ومراجعتها مرة ومرتين، مع الأخذ في الاعتبار البحث عمّا وراء السطور وما بينها من معان قد تكون خافية، ويفطن إليها «الناس الذين هم فوق» فيحاسب الرقيب أو أي من وكلائه الذين تمت تربيتهم على تضخيم الحذر والحرص من.. كتابات الخارجين عن النص.
مع مرور السنوات، عقدا بعد آخر، بدأت تتضح ملامح أكثر لفكرة الرأي «المغاير»، أو ما كان مراقبا وملغى في مرحلة سابقة، وأبرزت وسائل التواصل الاجتماعي، بخاصة مع ظهور المنتديات، الصوت (الآخر، المغاير) بحضور مكتسح جعل العاملين في وسائل الإعلام التقليدية يندبون حظهم آملين بجرية يتنفسون منها ولو قليلا كما يتنفس أصحاب «المعرّفات» على الشبكة الإلكترونية، وقد خلطوا الأشياء ببعضها، الحرية بالتعدي على الحريات، وظهرت مفردات صادمة لم تكن معروفة في قاموس الإعلام المحلي، أو لنقل الكتابة النقدية، قديمها وجديدها، بما احتاجت المرحلة إلى بعض الوقت لتأخذ مسارها بعد موجة من الفوران والفرح بالحرية المتاحة «إلكترونيا».
وجرّبت بعض وسائل الإعلام «التقليدية» رفع سقف النقد إلى حد يمكن القول إنه معقول، مهما تواضع أو جازف وتعدّى، فجميلة فكرة التقدم خطوة إلى الأمام في ممارسة النقد الاجتماعي، وهذا المسمى لا يشمل فقط نقد الظواهر الاجتماعية وإنما ما يعيشه المجتمع كاملا من تحولات، بصوابها وخطئها، المواطن الجالس على كرسي الحكومة أو ذلك الذي له حق أن تقدم له الحكومة خدماتها، كما يقدم ما عليه من واجبات تجاه البلد أولا وأخيرا، ويشمل ذلك واجبه في أي موقع كان.
كانت هناك أصوات تعالت بالنقد، طالبت بالتغيير، رفعت صوتها بما فاجأنا بقدرتها على إعلاء الصوت والاقتراب مما عدّ في مرحلة ما بما يشبه المقدسات الوطنية حيث الاقتراب الحذر حتى من هوامش الأشياء فكيف بمسّها مباشرة؟!
لكن.. اختفت تلك الأقلام، تلاشى الصوت الناقد.
هل يئست من التغيير، أو تعبت الحناجر، أو رأت في الحياة مسارب أفضل من «صداع الرأس» حيث الكلمة تتطلب شجاعة لم يعد العمر يسمح بها؟
أو أن ما كان يقال في السابق جريئا أصبح عاديا كما فرضت ثقافته وسائل الإعلام الحديث/‏‏ البديل؟! ربما.. الاحتمالات أوسع من ذلك..