الأجهزة الرقمية وأطفالنا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٤٤ ص
الأجهزة الرقمية وأطفالنا

د. محمد ناجي الكـعـبي

لا بد لنا أولا من إعطاء فكرة عن الأجهزة الرقمية (Digital Devices) وما المقصود بهذا التعبير؟ يشتمل مصطلح الأجهزة الرقمية في عصرنا الحالي على الحواسيب (الكومبيوترات على اختلافها والحواسيب اللوحية (Tablet computer) كالآيباد (iPad)، والهواتف الذكية التي تجمع ما بين صفات الهاتف والحاسوب وآلة التصوير). وهناك اليوم الساعات الذكية والألعاب الإلكترونية...ألخ، والأجهزة الرقمية على اختلافها اليوم الأكثر شهرة واستخداما، إذ يُقبل على استخدامها الأطفال والأولاد والشباب والكبار والشيوخ. ودلت الدراسات والإحصائيات على أن الوقت الذي يقضيه الناس مع هذه الأجهزة في دول العالم المختلفة في ازدياد، وأن الأوقات التي يمضونها لمشاهدة أجهزة التلفاز وجهاز الراديو (المذياع) في تناقص مستمر. ولا ينسى المختصون في مجال الإعلام الخطاب الشهير الذي ألقاه نيوتن منو رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC) الأمريكية في الجمعية الوطنية للمذيعين في سنة 1961، والذي حذر فيه من الأضرار الناجمة عن مشاهدة التلفاز وحرق الوقت دون فائدة. ودعا نيوتن منو لأن يكون التلفاز أداة تثقيف للمجتمع والأطفال، مما حدا بشركات الإنتاج الإعلامي إلى إنتاج برامج تعليمية تلفزيونية للأطفال كما هو الحال مع برنامج شارع سمسم (Sesame Street)، وهو سلسلة تلفزيونية أمريكية تعليمية للأطفال بدأ عرضها سنة 1969، وألهمتنا كدول خليجية لإنتاج برنامج افتح يا سمسم. يعتبر المختصون الأجهزة الرقمية أخطر من التلفزيون لأن أغلبها نقال، ويمكن حمله معنا أينما ذهبنا وحللنا، بعكس التلفزيون الثابت في مكانه، ولعل صرخة مسؤول أو عالِم تعيد لنا صوابنا في التعامل السليم غير المُضِر مع الأجهزة الرقمية.

لقد دفعتني محاضرة لموقع يحمل اسم الأبوة في العالم الرقمي (parentinginthedigitalworld.com) تحمل عنوان الأجهزة الرقمية للأطفال الأصغر من سنتين إلى الاسترسال في كتابة هذه السطور بعد أن تيقنت بالخطر المُحدق بأطفالنا والناتج عن استخدام هذه الأجهزة.

لقد تبدلت حياتنا وحياة أولادنا وأحفادنا. فقد كان أهلنا وأجدادنا يمضون وقتا أكبر مع أطفالهم، فهم يطعمونهم طعاما طبيعيا وحليبا عن طريق الرضاعة، وغالبا ما تَسرد الأم عليهم قِصصا وتغني لأولادها بصوتها الدافئ الحنون المُحب لإلهائهم وجعلهم يخلدون إلى النوم ليستريحوا، وكان الأبناء أكثر طاعة واحتراما فمن النظرة يفهمون رسالة الأم والأب وماذا يريدان، لأن الأبوان كانا يمضيان وقتا أكبر مع الأبناء، أما اليوم فقد تبدلت حياتنا وخرج الأب والأم للعمل، وإذا كانت الأم ربة منزل اليوم فمتابعة الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي (Social Media) تأخذ الكثير من الوقت، فلم يعد للأبوين مُتسع من الوقت للعناية بالأبناء كما كان الآباء والأجداد يُعنون بأولادهم، ومن هنا نلجأ إلى وسائل عصرية مثل الأجهزة الرقمية والتلفاز، ولما هذه الأجهزة من أضرار تحيق بأولادنا معتقدين بأننا نجلب لهم السعادة والبهجة والعِلم. وغالبا ما يقوم الآباء أو الأقرباء أو الأصدقاء بشراء جهاز رقمي باهض الثمن لأحد أبنائنا، حبا منهم وتقديرا لهذا الكائن الجميل والذي تتصف جميع تصرفاته بالبراءة والنقاء، ولكن أي من هؤلاء لا يدري بأنه يقدم جهازا ضارا كما سيتبين لنا من خلال السطور التالية. لقد ساهمت هذه الأجهزة في قلب حياتنا وحياة أطفالنا، فبعد أن كان الطفل يخرج في الهواء الطلق أو الملاعب المغلقة لممارسة الألعاب المختلفة بدءا بكرة القدم والسلة والطائرة واليد والركض والجري، نرى اليوم أطفالنا جالسين بدون حركة وهم يتناولون الأطعمة ويمارسون هذه الألعاب الافتراضية المضرة لصحتهم وعقولهم، مما يؤدي إلى الخمول وحب الكسل والأكل المفرط وما يرافق هذا من أمراض وعلل. ونرى اليوم أطفالنا يلعبون الألعاب الفكرية مثل شطرنج، والتي كنا نمارسها مع أهلنا وأصدقائنا في البيوت والمقاهي والنوادي ونتفاعل ونلهو مع أحبتنا صارت تُلعب افتراضيا، وحرمت أطفالنا متعة اللقاء مع أحبتهم، واكتساب المهارات الخاصة بكيفية التعامل مع المجتمع أو المجتمعات المختلفة. وجعلت أطفالنا يفضلون العزلة على الاجتماع والتفاعل مع مجتمعهم. وينصح المختصون بأن لا تزيد ساعات استخدام الأجهزة الرقمية للأولاد الذين هم بين سن 5 إلى 12 عاما على ساعتين يومياً.
بدأ المتحدث ضمن موقع الأبوة في العالم الرقمي حديثه ببيان أن بناء أجسام ونمو عقول الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين يكون كبيراً في هذه المرحلة العُمرية. لذا فالحركة مهمة للطفل لأنها تنمي عقله وتبني جسمه، لذا يلزم أن تخصص لهم أوقاتا يمضونها مع آبائهم في الهواء الطلق لاستكشاف الطبيعة وكل ما يحيط بهم. وإذا ما أردنا بناءا سليما لأجسام وعقول أولادنا، توجب علينا السماح لهم بالحركة والتفاعل المباشر مع الأهل والبيئة المحيطة. وبين بأن الهواتف والحواسيب اللوحية (Tablet computer) تُحفز الأطفال وتجذب انتباهم. وتشير نتائج البحوث التي أجريت مؤخرا على الطلاب الصغار إلى إن استخدام الأجهزة الرقمية بشكل كبير يؤدي بالنتيجة إلى انحدار قابلية الاستماع والفهم لدى هؤلاء للمحاضرة التي تُلقى عليهم أو لأي حديث. يُضاف إلى ذلك عدم القدرة على الصبر والتصرف بكياسة عند الانزعاج. لذا يُشدد أطباء الأطفال اليوم على ضرورة ابتعاد الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم على السنتين بشكل نهائي عن الأجهزة الرقمية، لكي لا تحرمهم هذه الأجهزة مُتعة استكشاف بيئتهم والتفاعل مع الأهل، وبذلك ينشئوا تنشئة سليمة ويعتادوا ويتطبعوا بعادات مجتمعهم، مع ضرورة تركيز الآباء على طرح الأمثلة التي يتعلم منها الأبناء.
ونرى اليوم البعض من المعلمين والأساتذة يطلبون من طلابهم الصغار استخدام الحاسوب لساعات طويلة لحل واجباتهم المدرسية والتعرض للإشعاع والضوء الأزرق (blue light) ذا الطاقة العالية والناتج عن استخدام شاشات الحواسيب والهواتف الذكية وغير الذكية لساعات طويلة، غير مدركين للأخطار الناجمة عن الجلوس أمام هذه الشاشات لساعات، وما ينجم عن ذلك من أضرار للعين لا يمكن علاجها. ويحذر الأطباء بالخصوص من شاشات الصمام الباعث للضوء (Light Emitting Diode) والمعروفة اختصارا بـليد (LED).
ويرى المختصون ضرورة التعاون ما بين الأهل والمدرسة للحد من أضرار الأجهزة الرقمية، فالأهل عليهم أن يمنعوا أولادهم من استخدام الآيباد (iPad) طيلة أيام الدوام في المدرسة، وعليهم أن يدربوا أبناءهم كيف يسيطرون على حبهم وولعهم بهذه الأجهزة، أي أن لا تزيد فترة استخدام هذه الأجهزة على ساعتين في اليوم مهما كانت الأسباب والمبررات والمُغريات. ويتوجب على الأهل أن يشجعوا أولادهم على ممارسة الرياضة واللعب المباشر لا الافتراضي مع الأصدقاء من أعمارهم، بهدف تشجيع وتنمية التفاعل الإنساني الحقيقي لا الافتراضي القائم على الحواسيب والهواتف وشبكة الإنترنت. ويتوجب على المدرسة الموازنة ما بين استخدام التكنولوجيا وما يترتب على ذلك من فوائد وأضرار من جانب وصحته ونموه الفكري وسلامة ذاكرته من جهة أخرى.

كلية البريمي الجامعية