هل يصنع ترامب السلام للفلسطينيين؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص

داود كُتَّاب

فاجأ الزعيم الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأمريكية واشنطن الكثيرين بكيله المديح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ وصف عباس -الذي كان يتكلم من خلال مترجم- ترامب الذي وعد بإنجاز اتفاقية سلام بين اسرائيل وفلسطين «بالشجاع» و«الحكيم»، وأشاد بالقدرات التفاوضية العالية «لترامب». وقال عباس بعد ذلك بالإنجليزية «والآن سيدي الرئيس معكم يحدونا الأمل».

السؤال المطروح بالطبع هل كان لهذا الأمل ما يبرره فترامب لم يشر في بيانه العلني لحل الدولتين وتصريحاته الغامضة المتعلقة بالسلام (ذكر الكلمة 11 مرة) لم تشر وحتى تلميحاً لحاجة إسرائيل (والتي ذكرت كذلك 11 مرة) لوقف بناء المستوطنات غير القانونية وفي واقع الأمر لجأ ترامب في تصريحاته إلى الصيغة غير المتوازنة التي عادة ما كان يستخدمها في الماضي: إسرائيل والفلسطينيون.

الحقيقة هي أن ترامب كان دائماً يعطي الفلسطينيين سبباً للشعور بالقلق فخلال حملته الانتخابية تحدث ترامب عن نقل السفارة الأمريكية للقدس، وأدان قرار إدارة أوباما المنصرفة بالامتناع عن التصويت فيما يتعلق بقرار لمجلس الأمن الدولي يندد بالمستوطنات الإسرائيلية (عوضا عن استخدام حق النقض الفيتو ضد القرار) وعندما تم انتخابه عيّن ترامب محامي الإفلاس الخاص به ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل علما أن لديه تاريخ طويل من دعم القضايا الإسرائيلية اليمينية (بما في ذلك التبرع لمستوطنة في الضفة الغربية).
لكن عباس كان صامتاً فيما يتعلق بتلك القضايا فلقد بدا أن مجرد توجيه ترامب الدعوة له لزيارة البيت الأبيض في هذه المرحلة المبكرة جداً من عمر إدارته يعطي سبباً للشعور بالتفاؤل. لقد قام ترامب بالفعل بتوجيه بعض الاهتمام لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ أوكل لزوج ابنته ومستشاره الموثوق (وإن كان يفتقر للخبرة) جارد كوشنر بالتوسط من أجل التوصل لاتفاقية سلام.
بالطبع الوعود للتوسط من أجل تحقيق السلام لا تعتبر شيئا جديداً بالنسبة لرئيس أمريكي ولكن ترامب ليس رئيساً أمريكياً عادياً فالعديد من الفلسطينيين يشعرون بالتفاؤل بسبب أن ترامب لا يبدو مقيداً بالإيدولوجيات والالتزامات التي تتأثر بجماعات الضغط للأحزاب السياسية الأمريكية فبالنسبة لهؤلاء فإن الرئيس الأمريكي الذي يضع «أمريكا أولا» من المؤكد أنه سيرى أن من غير المعقول صرف رصيد مالي وسياسي على إسرائيل والتي توفر فوائد إستراتيجية بسيطة للولايات المتحدة الأمريكية على حساب زيادة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
إن صورة ترامب كصانع للصفقات تعزز من هذا الطرح المتفائل وبينما وعوده بإبرام «الصفقة النهائية» لا تدعمها التفاصيل فهي ما تزال تحظى بالقبول لدى الفلسطينيين الذين أصبحوا محبطين من عملية سلام لم يكن لها تأثير يذكر باستثناء السماح لإسرائيل بتوسعة وتعزيز احتلالها للأراضي الفلسطينية.
إن هذا لا يعني أن الفلسطينيين لديهم ثقة عمياء بإدارة ترامب من أجل تقرير مصيرهم بل على العكس من ذلك فلقد عمل عباس بجد واجتهاد من أجل تعزيز موقفه حيث التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبدالله الثاني خمس مرات من تنصيب ترامب وحتى زيارته للبيت الأبيض، وعندما زار السيسي وعبدالله ترامب أعاد كلاهما التأكيد على الموقف الذي تضمنته مبادرة السلام العربية لسنة 2002: يجب على إسرائيل الانسحاب كلياً من من الأراضي المحتلة في مقابل تطبيع العلاقات مع دول الجامعة العربية وفي مؤتمر القمة العربية والذي عقد في الأردن في 29 مارس الفائت، أكد السيسي وعبدالله وغيرهما من القادة العرب على الحاجة لدولة فلسطينية مستقلة على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لقد كان عباس يأمل من خلال تلك الجهود التأكيد على الأهداف الحقيقية التي يجب السعي لتحقيقها مع مواجهة المحاولات الإسرائيلية لتشتيت الانتباه فعلى سبيل المثال دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتنياهو السلطة الفلسطينية لوقف المخصصات الاجتماعية لعائلات السجناء الذين قتلوا إسرائيليين محاولا تصوير تلك المخصصات على أنها شكل من أشكال المكافأة. ربما أن قيام عباس بكيل المديح لترامب في البيت الأبيض هو تكتيك آخر لإبقاء ترامب على الطريق الصحيح.
إن من السابق لأوانه جداً معرفة ما إذا كانت مقاربة عباس تجاه إدارة ترامب ستحقق النجاح. البعض يجادل بأن قرار ترامب بجعل السعودية عوضاً عن إسرائيل وجهة زيارته الأولى للخارج كرئيس أمريكي يعكس نظرة جديدة للمنطقة (على الرغم أنه سوف يزور إسرائيل على الفور لاحقا لتلك الزيارة).
عندما أجرت رويترز مع ترامب لقاءً صحفياً عن أول 100 يوم له بالحكم قال ترامب إن الرئاسة الأمريكية كانت وظيفة أصعب بكثير مما كان يتوقعه، ولكن المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا تحتاج لأن تكون كذلك فنحن نعرف ما الذي يجب أن تنطوي عليه مثل تلك الصفقة: دولة فلسطينية مستقلة يتم تحقيقها من خلال تبادل للأراضي وحل خلاق لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
إن العقبة الرئيسية أمام التوصل لاتفاقية كانت عدم توفر الإرادة السياسية الكافية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للضغط من أجل التوصل للتسوية المطلوبة. يأمل القادة الفلسطينيون أن ترامب وهو رجل أعمال لديه هاجس إرثه سيظهر أخيرا العزم اللازم مستخدما النفوذ الكامل للرئاسة الأمريكية من أجل تحقيق «الصفقة النهائية».

أستاذ سابق في جامعة برينستون ومؤسس ومدير سابق لمعهد الإعلام الحديث في جامعة القدس برام الله