علي يوسف
بدايةً لعله من المهم جداً الإشارة إلى صعوبة مناقشة موضوع التجنيس الرياضي خوفا من السقوط في مستنقع العنصرية المقيت وذلك في ثنايا الخوض في هذا الموضوع المهم والآخذ في الانتشار والذي أرى أنه أصبح ظاهرة لابد من دراستها وتقييمها تقييماً شاملاً وصولاً لنتائج موضوعية تصب في خدمة الرياضة في مجتمعاتنا العربية، ولعل الخوف من الاتهام بالعنصرية هو ما يعطل وضع هذه الظاهرة تحت مجهر الدراسة العلمية من قبل الأخصائيين الرياضيين والاجتماعيين فرغم انتشار ظاهرة التجنيس الرياضي إلا أنني لم أجد دراسة علمية واحدة تشخّص هذه الظاهرة وتتناول جوانبها الإيجابية والسلبية على المستوى الرياضي والمجتمعي علماً أنها ليست بالظاهرة الجديدة وإن زاد انتشارها في الآونة الأخيرة.
كما أنه من المهم الإشارة أن موضوع التجنيس في المجال الرياضي ليس مقتصراً على مجتمعاتنا الخليجية والعربية، فكثير من دول العالم تلجأ للتجنيس الرياضي من أجل تحقيق أهداف قريبة المدى تتمثل في حصد البطولات والانجازات الرياضية وأهداف بعيدة المدى تتعلق بتطوير مستوى رياضييها المحليين من خلال اتاحة فرصة لهم للاحتكاك برياضيين متميزين ومشاركتهم في التدريبات والمنافسات.
إلا أنني أرى أن ظاهرة التجنيس في مجتمعاتنا الخليجية على وجه الخصوص أخذت بعداً آخر وأصبح تحقيق البطولات والانجازات الرياضية هو المحرك الأول ولربما الوحيد لعملية التجنيس الرياضي، ولا يخفى ما لهذا الأمر من خطورة بالغة على الرياضيين المحليين وخصوصاً ما يتعلق بالجانب النفسي، فلجوء المسؤولين الرياضيين للتجنيس والتوسع فيه يبعث برسالة سلبية للرياضيين المحلين بأنهم أقل قدرة وكفاءة من اللاعبين المجنسين مما قد يدفع كثير منهم للكف عن ممارسة الرياضة إحساساً منهم بالتهميش وشعوراً بالدونية.
إن لجوء الدول للتجنيس الرياضي والتوسع فيه بغية تحقيق الانجازات السريعة ومن غير دراسة آثار هذه الظاهرة على الرياضيين المحليين وعلى المجتمع عموماً قد يأتي بنتائج عكسية، ولعلي أستدل على ذلك برصد ردود الأفعال في كل من مملكة البحرين ودولة قطر بعد نهائي كأس آسيا لكرة اليد، فرغم فوز المنتخب القطري الشقيق بكأس البطولة إلا أنه ومن خلال رصد وسائل التواصل الاجتماعي كانت أصداء هذا الفوز فاترة نوعا ما في المجتمع القطري نظراً أن نسبة التجنيس في المنتخب القطري كانت كبيرة جداً، على عكس الاحتفاء والإشادة الكبيرة التي حظي بها المنتخب البحريني من قبل المجتمع والجماهير المحلية على رغم خسارته للمباراة النهائية..!
صحيح أن التاريخ لا يذكر إلا صاحب المركز الأول إلا أن البُعد الاجتماعي والمتمثل في احتضان المجتمع ودعمه للفرق الرياضية مهم جداً في استكمال فرحة الانجاز الرياضي وخصوصاً في مجتمعاتنا الخليجية وهي مجتمعات صغيرة تتميز بالمحافظة والاعتزاز الكبير بالهوية الوطنية.
إن لجوء الدول للتجنيس الرياضي يعد أمراً مفهوماً إلا أنني أستغرب وصول التجنيس للفئات العمرية فهذا في رأيي يعتبر مؤشرا خطيراً يهدد البنية التحتية الرياضية فالأولى تشجيع النشئ على الانخراط في الرياضة وزيادة عدد الممارسين منهم للرياضة التنافسية والاهتمام بالمواهب الرياضية وتطويرها من خلال النوادي والأكاديميات الرياضية، وليس اللجوء لاستيراد مواهب رياضية جاهزة بغية تحقيق الانجازات الرياضية السريعة على حساب الرياضيين المحليين.
أنه من المهم التوازن في عملية التجنيس الرياضي من غير إفراط ولا تفريط، ولابد أن يكون قرار التجنيس الرياضي مبني على دراسة علمية توضح فوائده وتضبط حجمه وتقيس مداه، فكلا البعدين النفسي والمجتمعي لا يقلان أهمية عن تحقيق الانجاز بعناصر مستوردة لايربطهم بالفريق إلا المصلحة الآنية.