التقارب مع بيونج يانج

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٥/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٣٩ ص
التقارب مع بيونج يانج

يون يونج كوان

تم مؤخراً انتخاب مون جاي إين من الحزب الديمقراطي الكوري رئيساً جديداً لكوريا الجنوبية. هذا هو الانتقال الثاني للسلطة من المحافظين إلى الليبراليين في التاريخ الديمقراطي للبلاد. وقد بدأت بشكل غير متوقع في أكتوبر الفائت، مع اندلاع فضيحة الفساد التي شاركت فيها الرئيسة آنذاك بارك جيون هاي، وبلغت ذروتها بإقالتها وإخراجها من منصبها في وقت سابق من هذا العام. وعلى الرغم من أن استبعاد بارك كان مؤلماً، إلا أنه أظهر أيضا صلابة الديمقراطية في كوريا الجنوبية.

وسيتسلم مون منصبه في وقت يتفاقم فيه التوتر مع كوريا الشمالية. ويتطلب فهم نوع السياسة التي سيتبعها الإلمام بالتفكير الليبرالي للسياسة الخارجية في كوريا الجنوبية منذ رئاسة كيم داي جونج لفترة ما بين 1998 و 2003.

وقد عاصر كيم الحرب الباردة التي انتهت سلمياً في أوروبا، وأراد أن يحول مواجهات بلده المستمرة مع الشمال الشيوعي إلى مبادرات غير عنيفة مماثلة. لذلك تابع التواصل المباشر مع كوريا الشمالية، و «سياسة شروق الشمس» التي اتخذها خليفته، روه مو هيون. قبل وفاته في العام 2009، كان روه (الذي عملتُ معه كوزير للخارجية) مرشداً سياسياً وصديقاً مقرباً لمون.
كانت إعادة توحيد الألمانيتين، التي سبقتها سياسة ألمانيا الغربية للمشاركة المباشرة، أو سياسة علاقات التقارب مع ألمانيا الشرقية في العقود الأخيرة من الحرب الباردة، مصدر إلهام عميق لكيم. وبدأ المستشار الألماني الأسبق ويلي برانت في متابعة علاقات التقارب بشكل جدي في السبعينيات، وحافظ هيلموت كول على هذه السياسة بعد توليه المنصب في العام 1982. على الرغم من أن السياسة الخارجية الألمانية لا يمكنها تغيير طبيعة نظام ألمانيا الشرقية، إلا أنها جعلت ألمانيا الشرقية تعتمد اعتماداً كبيراً على ألمانيا الغربية، وأعطى كول نفوذاً سياسياً مهماً لعملية إعادة التوحيد.
وبطبيعة الحال، فإن معظم الليبراليين الكوريين يعترفون بأن كوريا الشمالية ليست هي ألمانيا الشرقية، التي لم تهدد ألمانيا الغربية أو الولايات المتحدة بأسلحة نووية قط. غير أن مون ومؤيديه يجدون مع الأسف أن رؤساء كوريا الجنوبية المحافظين منذ لي ميونج باك لم يحافظوا على سياسة شروق الشمس، كما فعل كول مع سياسة علاقات التقارب الألمانية. وإذا ما حصلوا على ذلك فاٍن كوريا الشمالية قد تصبح أكثر اعتمادا على كوريا الجنوبية أكثر من الصين، وفي هذه الحالة لن يكون على قادة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أن يناشدوا باستمرار الصين لكبح جماح النظام الكوري الشمالي.
وكما يدرك الليبراليون في كوريا الجنوبية بأن الوضع الاستراتيجي قد تغير بشكل ملحوظ منذ عهد كيم وأوائل عصر روه، عندما لم تكن كوريا الشمالية قد أصبحت بعد دولة نووية بحكم الأمر الواقع. ولتحقيق حلمه الليبرالي في التوحيد الوطني، سيتعين على مون أن يواجه تحديا أكبر بكثير من أي شيء واجهه أسلافه.
ولا يزال مون يسعى لتحقيق حلمه، لكنه سيفعل ذلك بحكمة، ومع مراعاة الحقائق الجيوسياسية. وفي مقابلة أجراها معه صحيفة «واشنطن بوست» أوضح أنه يرى أن تحالف كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة ضروري في دبلوماسيتها، ووعد بعدم بدء محادثات مع كوريا الشمالية دون التشاور مع الولايات المتحدة. غير أنه يمكن أن يحاول أيضا، فيما يتجاوز المحادثات الرسمية، أن يتفاعل مع الشمال بإحياء التعاون بين الكوريتين بشأن المسائل الصحية أو البيئية، التي تقع خارج نطاق العقوبات الدولية.
وعلى مدى السنوات التسع الفائتة، قطع الرؤساء المحافظون - وخاصة بارك - جميع الاتصالات مع كوريا الشمالية لمحاولة دفعها نحو نزع السلاح النووي. ويرى الليبراليون الكوريون الجنوبيون أن هذه السياسة تضر بالهدف الوطني المتمثل في إعادة التوحيد السلمي، بتحويله إلى شعار فارغ. وهم يعتقدون أن الحفاظ على العلاقات بين الكوريتين سيكون أساسيا لإعادة توحيد شبه الجزيرة، تماما كما فعلت ألمانيا الغربية من أجل التقارب. وهكذا، من المرجح أن يسعى مون إلى اتباع استراتيجية ذات شقين تجمع بين نزع السلاح النووي والمشاركة والاستعدادات لإعادة التوحيد في نهاية المطاف.
وقد أدرك مون أن العقوبات الصارمة ستكون ضرورية لإجبار كوريا الشمالية على التفاوض. لذلك لن يكون لدى حكومته أي خلاف أساسي مع الولايات المتحدة، خصوصا أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قال إن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام في كوريا الشمالية.

وسيكون مون أيضا أكثر مرونة من سابقيه المحافظين لاستيعاب صفقة على الطريقة الإيرانية بقيادة الولايات المتحدة والتي تهدف إلى وقف نشاطات كوريا الشمالية النووية والصاروخية. لكن إذا حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفع كوريا الجنوبية إلى أداء مقابل نظام مكافحة الصواريخ في المنطقة «ثاد» التي أطلقتها الولايات المتحدة مؤخراً، سيكون على مون أن يرفض. وإلا فإنه سيواجه رد فعل داخلياً خطيراً من اليسار واليمين.

وهناك مسألة نهائية ولكنها حاسمة، وهي الصين التي عاشت معها كوريا تاريخاً مريراً. وقد سبق وتدخلت الصين كلما رأت شبه الجزيرة الكورية بمثابة رأس جسر محتمل لقوة بحرية غازية. كما تدخلت الصين في العام 1592، عندما كانت اليابان مستعدة لمهاجمة أسرة مينج من خلال إخضاع تشوسون سلالة كوريا لأول مرة. وحدث ذلك مرة أخرى خلال الحرب الصينية اليابانية العام 1894، ثم خلال الحرب الكورية في أوائل العام 1950.
وعلى الرغم من هذا التاريخ، يدرك الليبراليون الكوريون أن التعاون الصيني سيكون ضرورياً لتحقيق إعادة التوحيد. وبناء على ذلك، سيتعين على حكومة مون الحفاظ على تحالف صلب مع الولايات المتحدة بينما تحاول تحسين العلاقات مع الصين التي هدأت منذ قررت كوريا الجنوبية استضافة نظام «ثاد». وقد يحاول مون تهدئة المخاوف الصينية من خلال اقتراح أن هذا النظام مؤقت، ويمكن إزالته، في انتظار نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية.
إن أولئك الذين يتوقعون أن رئاسة مون سوف تعطل العلاقات الكورية الجنوبية مع الولايات المتحدة واليابان هم بالتأكيد على خطأ. وبعد كل شيء، خلال رئاسة روه الليبرالية، صادقت كوريا الجنوبية على اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وأتاحت إعادة نشر القوات الأمريكية داخل حدودها، وأرسلت قواتها الخاصة للقتال إلى جانب الولايات المتحدة في العراق. سيؤكد مون هذا الإرث وسيحاول إيجاد نسخة جديدة من سياسة شروق الشمس، والتي تجسد أهم طموح لكوريا الجنوبية على المدى الطويل.

وزير خارجية جمهورية كوريا الأسبق