«صنع في عُمان».. الشعار الذي نريده دوما

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٥/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٤٥ م

ناصر اليحمدي

يحظى قطاع الصناعة منذ بزوغ شمس نهضتنا المباركة برعاية خاصة من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه-.. فحرص أيده الله على دعمه وتعزيز مكانته نظرا لما يقدمه من إضافة مهمة للاقتصاد الوطني بجانب مساهمته في استيعاب أعداد كبيرة من القوى العاملة الوطنية.. كذلك قام بتشجيع المستثمرين على إقامة المشاريع الصناعية بمختلف أحجامها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وذلل أمامهم العقبات سواء من خلال توفير الخامات أو تسهيل الإجراءات أو تشريع القوانين التي تحفز على الاستثمار إلى جانب تخصيص يوم للصناعة العمانية بالإضافة إلى استحداث جائزة خاصة تحث على التنافس الشريف بين الشركات والمؤسسات لاختيار الأفضل وتحسين جودة الصناعات العمانية حيث تم تدشين كأس حضرة صاحب الجلالة عام 1991 عند الإعلان عن عام الصناعة الأول ثم تطورت المسابقة لتصبح «جائزة السلطان قابوس للإجادة الصناعية» والتي شهدت مؤخرا تكريم الشركات والمصانع الفائزة في نسختها لهذا العام 2015 - 2016 برعاية معالي الفريق حسن بن محمد الشريقي المفتش العام للشرطة والجمارك وبحضور أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة الوكلاء وجمع غفير من رجال الصناعة في السلطنة.

إن تقدم الدول يقاس بما تمتلكه من صناعات وما تقدمه من منتجات للبشر وبالتالي فإنه كلما تطورت وتنوعت الصناعة في بلد ما حجز له مكانا في مصاف الدول المتقدمة خاصة مع التطور التكنولوجي المتسارع الذي فتح المجال لتنوع الصناعات والمنتجات.
إن أزمة انخفاض أسعار النفط أجبرت الدولة على البحث عن بديل للذهب الأسود وبالتأكيد القطاع الصناعي أحد أهم الروافد التي يجب الاعتماد عليها في تنويع مصادر الدخل بجانب السياحة والتجارة والزراعة وغيرها.. وهنا لا نعني التركيز على الصناعات النفطية والبتروكيماوية فقط بل اقتحام مجالات أكثر جرأة وقوة خاصة أن وطننا الحبيب يتمتع بموقع استراتيجي لوجستي حيوي سيساهم بشكل كبير في الترويج لهذه المنتجات ويساعد على انتشارها في الأسواق الخارجية لاسيما أن المنتجات العمانية مشهود لها بالجودة العالية والإتقان.
لا شك أننا بحاجة أكثر لتطوير مهارات الشباب وتنمية الموارد البشرية الوطنية من خلال تكثيف الدورات التدريبية والارتقاء بالتعليم المهني حتى نرتقي بالقطاع الصناعي ونتوسع فيه ونضمن له الاستدامة.. كذلك نحن بحاجة لتعزيز كفاءة نظم الإدارة وتطوير منتجاتنا الحالية باستمرار واستحداث أخرى جديدة وفقا لمتطلبات السوق حتى تتطور أسواقنا وتتوسع دائرة تسويق منتجاتنا .. ولا بأس بالاستفادة من خبرات الآخرين في هذا المجال خاصة الدول الصناعية الكبرى للسير في دربها وتطوير قطاعنا الصناعي بسرعة أكبر.. لاسيما أننا ماضون على مرحلة فارقة في عمر الوطن بالدخول على مشاريع ضخمة مثل المشاريع الـ 700 الجديدة التي تعتزم المؤسسة العامة للمناطق الصــناعية تنفيذها خلال السنوات الثلاث المقبلة والتي ستستوعب أكثر من 33 ألف فرصة عمل وهي تعتبر خطوة نحو الاســتقرار والنهضة.. كذلك الحال بالنسبة لمدينة الصناعات الخفيفة المتكاملة التي تعتزم شركة ســندان للتطوير تأسيسها بتكلفة 100 مليون ريـال وغير ذلك الكثير الذي يلبي طموحات الوطن لمواكبة التطورات.
إن القطاع الصناعي من القطاعات الاقتصادية المستدامة التي تكبر وتتوسع ولا يوجد سقف لها فليس لها نهاية طالما يجتهد الصانعون لتأسيس شركات ومؤسسات ومصانع جديدة.. لذلك يجب أن يحرص كل مستثمر على بذل كافة طاقته لتطوير صناعته والاستفادة من الدعم والتسهيلات التي تقدمها الدولة حتى يفيد البلد ويستفيد مع الالتزام بالمواصفات التي تحقق الجودة العالية لأنها في النهاية مسألة تتعلق بسمعة بلادنا واسمها الذي يجب أن نحرص عليه شامخا ونظيفا.
إن كل عماني يحلم بأن يرى شعار «صنع في عمان» على كافة الأجهزة والمنتجات الصناعية الموجودة بالأسواق والتي نستهلكها يوميا وأن تكون على قدر المنافسة مع مثيلاتها العالمية بحيث تأخذ بيد بلادنا نحو النهضة والتقدم وبناء اقتصاد قوي وراسخ وتحقق التنمية المستدامة المنشودة.
ندعو الله أن يحقق القطاع الصناعي في السنوات القليلة المقبلة طفرة كبيرة تعود على الوطن والمواطن بالخير والازدهار والرخاء وأن نرى السلطنة مركزا عالميا للصناعات بمختلف أنواعها.. ونقدم كل التبريكات للشركات والمصانع الفائزة بالجائزة الغالية هذا العام ونتمنى أن تستعد بقية الشركات لتحسين منتجاتها وخدماتها حتى تكون الأفضل وتنال الجائزة الغالية العام المقبل وتستطيع الصـــمود أمام المنافسة العالمية الشرسة.

رؤية إماراتية خلاقة لتحقيق مستقبل مشرق

التركيبة الحكومية الإماراتية الجديدة التي كشف عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عبر حسابه على تويتر في سلسلة تغريدات، رغم أنها غير تقليدية للعمل الحكومي إلا أنها عكست مدى حرص سموه على تحديد ملامح مستقبلية لبلاده والتي تهدف في المقام الأول تطوير التعليم وتحقيق السعادة والاستقرار للشعب الإماراتي الشقيق ونشر التسامح بين أبنائه حيث وضع للمرحلة الجديدة عنوانا هو «المستقبل والشباب والسعادة وتطوير التعليم والتعامل مع التغير المناخي لحماية بيئتنا».
لقد ربط صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بين كل هذه العناصر واعتبرها خلطة تدفع ببلاده نحو مستقبل أفضل.. ومن يتأمل عناصرها يجد أنها أقصى ما يبغي الإنسان وما يحتاجه الشعب من حكومته كي يتحقق له الاستقرار والازدهار والرخاء.
اعتبر سمو نائب رئيس دولة الإمارات السعادة والتسامح أسلوب حياة وليسا قيم وأماني بل غاية توضع من أجلها الخطط والبرامج والاستراتيجيات اللازمة لتحقيقها.. لذلك استحدث وزارتين جديدتين من نوعهما هما وزارة للسعادة وأخرى للتسامح بحيث تقوم الأولى بمواءمة خطط الدولة وبرامجها لتحقيق سعادة المجتمع بينما ترسخ الثانية التسامح كقيمة أساسية بين أبناء الشعب الإماراتي الشقيق وهو مطلب ملح في وقتنا الحالي وتحتاجه كل دولة كي تواجه موجات التطرف والعنصرية التي بدأت تستشري في الجسد العربي وتنشر معها البغض والكراهية بين أبناء الجلدة الواحدة وتفرقهم شيعا وأحزابا وتصنفهم دينيا وعرقيا ومذهبيا.
أما التعليم فقد أولى صاحب السمو رئيس وزراء الإمارات هذا الملف أهمية خاصة حيث قام بتعيين 3 وزراء للتربية والتعليم حتى لا يكون هناك عذر لأحد بعد ذلك -على حد قوله-.. فمما لا شك فيه أن المنظومة التعليمية العربية تحتاج لتغيير جذري وفكر جديد ومتابعة جيدة لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة حول العالم والتواؤم مع ما يدرس في الخارج.. فتطوير التعليم والاهتمام به أقصر الطرق لتحقيق التنمية المستدامة.
كذلك الحال بالنسبة لوزارة التغير المناخي والبيئة.. فالاهتمام بالبيئة وحمايتها من التعدي الجائر ومتابعة القرارات الأممية التي تقلل من الانبعاثات الكربونية والسعي لاستخدام الطاقة المتجددة النظيفة وغير ذلك مما يتعلق بصون البيئة ويقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري يجب أن توليها كل حكومات العالم اهتماما خاصا وتخصص لذلك وزارة بعينها تتواصل مع مثيلاتها لتحقيق الأفضل من أجل مستقبل الأرض.
الشيء الجميل أن صاحب السمو محمد بن راشد أوفى بوعده للشباب وقام بتعيين وزراء شباب بل منهم حديثي التخرج كوزيرة دولة شؤون الشباب التي لم يتجاوز عمرها 22 عاما.. قد يرى البعض أن هذه مخاطرة كون هؤلاء الشباب لا يملكون الخبرة الكافية لإدارة وزارة ولكن بالتأكيد ما تحتاجه الحكومات الآن هو عنفوان الشباب وحماسهم الذي يدفع بالبلاد نحو التقدم.. فالتطور التكنولوجي والإنترنت أصبح يحتوي على الكثير من المعلومات التي زودت الشباب بالخبرات والمعلومات المطلوبة لتحقيق النجاح.. وقد أثبتت حكومات العواجيز أنها تقف بدولها محلك سر وبالتالي فإن إعطاء الفرصة للشباب لم يعد مغامرة كما كان في السابق وستثبت الأيام مدى ما سيحققونه من إنجازات.
لقد عكست التركيبة الحكومية الإماراتية الجديدة مدى اهتمام الدولة ببناء الكفاءات الوطنية الشابة القادرة على مواجهة تحديات العصر الحديث.. فمعايير صناعة المستقبل تغيرت وأصبحت تحتاج لآليات مختلفة عما كان متعارف عليه في الماضي القريب وقد لخصها صاحب السمو محمد بن راشد عند افتتاحه لمتحف المستقبل للابتكار والتكنولوجيا حينما قال إن “صناعة المستقبل تكون بامتلاك أدوات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا الحديثة والابتكار والاستجابة للتحديات من اليوم”.. فهذه الرؤية الخلاقة تجاه المستقبل جديرة بالاحترام والتأمل والتطبيق لأنها رؤية سديدة لتحقيق مستقبل واعد مشرق ينطلق بسرعة الصاروخ نحو التقدم والنهضة والريادة.
إن ما يعيشه عالمنا العربي من تحديات تحدق به من كل جانب تحتم على حكوماته تحديد رؤية واستراتيجية نحو المستقبل.. فالعيش في الأحلام والأمنيات لم يعد كافيا لتحقيق مستقبل مشرق ومستقر بل لابد من وضع خطط وبرامج والعمل على تحقيقها مهما كلف الأمر فليس أمام العزائم مستحيل.
مبارك للإمارات ما حققته وما تحققه من إنجازات يشهد لها القاصي والداني بالريادة والنجاح في صناعة الغد .. فحينما خفض الشيخ محمد بن زايد الاعتماد على النفط في موازنة الدولة وحدد اليوم الذي يصدر فيه آخر برميل نفط ارتهن على تنويع مصادر الدخل الذي يبعد الدولة عن التقلبات الاقتصادية ويحقق لها الاستقرار والأمان المالي.. لذلك نراه لم يقف عاجزا أمام أزمة انهيار أسعار النفط يضرب أخماسا في أسداس في كيفية ترشيد النفقات أو البحث عن طرق يتجاوز بها الأزمة بل بدأ يجني ثمار السياسة الناجحة للإدارة الحكيمة.
إن الإمارات بصفة عامة ودبي بصفة خاصة قدمت نموذجا تنمويا يجب أن تحتذي به دول العالم إذا أرادت الولوج نحو المستقبل بثقة واستقرار وسعادة.

آخر كلام

النجاح الذي تستمتع به اليوم.. هو نتيجة الثمن الذي دفعته في الماضي.