مَن فرّج كربة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٥/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
مَن فرّج كربة

علي بن راشد المطاعني

بعض الحملات التطوعية لها دلالات عظيمة وأهداف واضحة وغايات نبيلة وحميدة وتكرّس دور بعض الجهات وجمعيات المجتمع المدني التي تسعى إلى السمو بأهدافها إلى أعلى مجالات عملها واختصاصاتها ما يحيل عملها إلى باقة إنسانية عبقة الشذى أينما حلّت وأينما ذهبت وإلى أي فج من فجاج الأرض، وبغض النظر عمّا إذا كان قريباً أو نائياً، فهي دائماً تسعى لوضع لمسات من الحنو على صدور الذين وجدوا أنفسهم بغتة في وضع لا يُحسدون عليه فنوائب الزمان عديدة، والكوارث تتوالى صيفاً وشتاءً وخريفاً، وفي وسط عتمة وضبابية تلك المحن تبرز كالنجم الساطع في كبد السماء تلك اللمسات الإنسانية الرفيعة التي تقدِّمها تلك المنظمات وقد آلت على نفسها خوض غمار كل الكروب من أجل إنقاذ إنسان وجد نفسه عالقاً بين فكي المحن. إنهم لا يكتفون بتقديم يد العون فحسب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح بل يسعون للمّ شمل الأسر التي فرّقتها الأنواء والعواصف والحروب والأعاصير والزلازل ومد البحر عندما يغضب ويثور.

وعلى نفس الوزن الرفيع فإن منظّمات المجتمع المدني التي تخوض غمار المستحيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه نجد أن جمعية المحامين العُمانية تقوم بالشيء نفسه ولكن في حقل آخر يختلف جزئياً لا كلياً عن عمل تلك المنظّمات الإنسانية، لقد وقفنا على حقيقة أنها تسعى وبنحو فريد للمِّ شتات الأسر التي فرّقت بين أفرادها قضبان السجون، مؤلم ذلك المشهد عندما يبحث الطفل عن والده أو والدته فلا يجد غير أصداء نحيبه ترددها الجدران، وهذا ما تفعله بتجرد كامل جمعية المحامين العُمانية التي لا تتوانى رغم مشاغل أعضائها بالقضايا والترافع في باحات المحاكم، إلا أنها وكاليراعة في دياجير الظلمة تسعى في هذه الأيام المباركات للتفريج عن هؤلاء النزلاء من خلال إطلاق حملة «فك كربة» وهو ما يدعو إلى مشاطرة المحامين رجال القضاء الواقفين عبر جمعيتهم على فك كرب الكثير من المعسرين الذين يقبعون خلف القضبان، ويتطلعون بلهفة إلى اليوم الذي يتنسمون فيه عبق الحرية. بالطبع هناك مَن هم خلف القضبان يحتاجون إلى مبالغ مالية قليلة غير أنها كبيرة بالنسبة إليهم لقاء الحصول على صك الحرية الغالي، فمساهمتنا في فك كربتهم هو طريق سهل للحصول على رضوان الله عز وجل، فالله يحب المتصدقين كما نعلم، ومن أحبه الله أكرمه وأجزل له العطاء بدون شك لاسيما ونحن نقف على بُعد مرمى حجر من الشهر المبارك شهر التوبة والغفران.

حملة فك كربة عملت في السنوات الفائتة على فك عسر المئات من المعسرين، ففي العام 2012 الذي انطلقت فيه الحملة استهدفت خمس محاكم وعمل خلالها عشرة محامين، وأسهمت في فك 44 معسراً من السجون، وفي العام 2014 في النسخة الثانية من الحملة توسعت لتشمل معظم المحاكم وشارك فيها 60 محامياً ساهموا في فك كربة 304 سجناء، وشهد العام 2015 أربعة معارض توعوية في كل من مسقط وصحار وصلالة وغطت كل المحاكم وشارك فيها 100 محام، استطاعت أن تفك عسر 432 معسراً وتخلصهم من الحبس، وهذا العام تتطلع إلى أن يتضاعف العمل مرات عديدة.

فمن خلال هذه الحملة الرائعة تسعى الجمعية إلى تحويل الفكرة إلى مشروع مستدام طوال العام وغير مرهون بفترة زمنية محددة، لذلك فإن الدعوة موجهة لكل الذين يتطلعون للوسيلة والفضيلة والأجر الحسن إلى التفاعل مع هذه السوانح، فعندما يعم الخير ويتبادل الناس الإحسان بالإحسان عندها يمكننا القول إن مجتمعنا العُماني يمضي في الطريق الصحيح المؤدي لمرضاة الله عز وجل وتلك غاية الأماني ومنتهى المنى.

بالطبع الجمعية تسعى في ما تسعى لفك كل المحبوسين على ذمم مالية ومعسرين عن الدفع وتسعى إلى التوعية عبر الحملة بمخاطر الانزلاق لذلك الدرك السحيق والذي يقودهم إلى السجون بعد أن عهدوا مرارة البقاء فيها. نأمل أن تحقق هذه الحملات غاياتها وأن نتعاون جميعاً معها حتى تحقق مراميها الإنسانية المتسقة مع نفحات رمضان المبارك ولتقف كتفاً بكتف مع كل الجهود الإنسانية الرامية لإعادة البسمة الضائعة لكل الشفاه التي حرمت منها مصداقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (مَن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.