بيتر د سثرلاند
لقد كنت في مالطا في الخريف الفائت لحضور مؤتمر فاليتا عن الهجرة والذي حضره رؤساء دول وحكومات أوروبية وأفريقية ولقد وجهت لي الدعوة بصفتي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالهجرة الدولية والتنمية وكما هو معتاد في مثل تلك المناسبات كانت هناك صورة جماعية حيث تصادف وجودي إلى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل ولقد اغتنمت هذه الفرصة لأهمس في أذنها قائلا إنه حسب رأيي فإنها تعد بطلة بسبب ما فعلته بالنسبة لقضية الهجرة ولقد كان ردها بما معناه أنها كان تفعل ما هو «ضروري بالنسبة لأوروبا». ومنذ ذلك الحين فكرت مليا بما فعلته ميركل وما قالته ليس فقط آنذاك بل خلال الأشهر العديدة لأزمة الهجرة الأوروبية. لقد ذكرت ميركل أن هذه القضية في جوهرها هي أزمة وجودية لأوروبا وأكثر خطورة من الوضع المعقد للديون اليونانية ولقد أشارت مرارا وتكرارا للالتزام الأخلاقي (والقانوني) الذي ندين به جميعا للاجئين.
إن جزءا كبيرا من العالم متفاجئ بأن المستشارة الألمانية تتكلم بهذه الطريقة. لقد كتب التيرو سبينيلي الفيدرالي الأوروبي الإيطالي الراحل بأن العنصرية الألمانية التي حرضت على اندلاع الحرب العالمية الثانية يمكن أن تكون قد أسهمت فيها الدوافع الاقتصادية ولكن لم تتسبب في حدوثها فلقد جادل التيرو أنه تاريخيا فإن «الفوضى اللامعقولة للمنظومة الدولية الأوروبية كانت الأرضية الأصلح التي يمكن تخيلها من أجل التعبير الكامل عن العنصرية».إن من الواضح من تعليقات ميركل وأفعالها أنها تريد أن تلعب دورا قياديا فيما يتعلق بهذه القضية ليس فقط في ألمانيا ولكن في أوروبا بشكل عام. إن من الواضح كذلك أن العديد من الأوروبيين (وغيرهم) يقدرون موقفها الشجاع والمبدئي. إن أوروبا بحاجة للقيادة ومؤسساتها تتطلب من الدول الأعضاء فيها -وخاصة الدول الأكثر قوة- أن تتعامل مع قضية تقع في قلب القيم والتي ندعي أننا نمتلكها.
غني عن القول أن مبادئ السيادة والتضامن المشترك التي تعزز التكامل الأوروبي تعبر عن الرؤية الأخلاقية التي تتناقض مع المبدأ القومي الذي كان سائدا بالماضي والملطخ بالعنصرية وعليه فعندما جادلت ميركل بأن التكامل الأوروبي مهدد بسبب ردة الفعل السلبية للعامة على التدفق الهائل لهؤلاء الناس اليائسين فإن ذلك يعني أنها كانت تفكر بمصير الرؤية التي جاءت بعد المرحلة القومية.
إن ميركل محقة في أن تشعر بالقلق بأن شعوب ودول أوروبا لم تعد راغبة في البقاء متحدة من خلال نظام مبني على أساس القانون والأخلاق بما في ذلك تطبيق مبادئ الكرامة والمســاواة الإنســـانية على مســألة التزاماتنا تجاه اللاجئين. إن الديمقراطية تتطلب بأن يحترم السياسيون ناخبيهم ولكن هناك أعدادا متزايدة من السياسيين الذين عادة ما يحترمون الآراء البغيضة للعامة تجاه اللاجئين ويتبنون ردود فعل وحشية تجاه أولئك الذين يسعون للحصول على ملجأ لهم في أوروبا.
والآن في ردة فعل على الأزمة يتم إعادة إقامة الحدود في منطقة الشنغن والتي كانت رمزا قبل مدة ليست بالطويلة للوحدة الأوروبية وحرية الحركة لمواطنيها. إن من المؤكد أن الحدود الجديدة سوف تؤدي إلى إيجاد مخيمات لجوء ضخمة في دول مثل اليونان كما يبدو أنه في مناطق أخرى يتم وضع اللاجئين في أماكن مغلقة أما الدنمارك فتقوم بمصادرة «الأشياء الثمينة» من اللاجئين على الحدود من أجل المساعدة في تحمل نفقات «ملاذهم».
وفي الوقت نفسه فإن التصريحات الصادرة عن بعض الحكومات في وسط وشرق أوروبا توحي بأن تلك الحكومات ترفض بشكل صريح الالتزام المنصوص عليه في معاهدة اللاجئين لسنة 1951 ولقد ذكر البعض أنهم سوف ينظرون في تقديم اللجوء للمسيحيين فقط ومثل هذا الخطاب هو بمثابة هدية لتنظيم داعش.
إن ميركل تتبع تقليد والتر هالستاين الرئيس الأول للسوق الأوروبية والذي تكلم في إحدى المرات عن أوروبا «بدون تقسيمات عسكرية وتعتمد على حكم القانون» ولكن حكم القانون في أوروبا لا يمكن أن يكون مثل المطعم حيث تختار الدول الأعضاء ما تشاء من قائمة القوانين التي ستطبقها.
إن من الضروري أن تدرك جميع الدول الأعضاء -وناخبوها- أنه لا يوجد خيار عندما يتعلق الأمر بالطبيعة الملزمة للالتزامات القانونية ضمن الاتحاد الأوروبي: أما التقيد بالقانون الأوروبي أو الخروج. إن سلطة القانون الأوروبي تتطلب دعم الحكومات الوطنية والتنفيذ من قبل المحاكم الوطنية.
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني
بالهجرة الدولية والتنمية.