آنا بالاسيو
إن احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي احتمالية قائمة ويبدو بشكل متزايد بأن اجتماع المجلس الأوروبي المقبل سوف يتمخض عنه صفقة تتعلق بظروف عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي وهي صفقة سوف يتم عرضها على الناخبين البريطانيين في استفتاء مبكر يمكن أن يجرى هذا الصيف.
ولكن كما يندفع كل شيء إلى الأمام يتوجب على بريطانيا والاتحاد الأوروبي التقاط الأنفاس والتفكير بعمق فعلى الرغم من التطمينات من كلا الجانبين، لا أحد يعرف ماذا سيحصل في الاســتفتاء ناهيك عن كيفية إدارة المرحلة اللاحقة لو قرر الناخبون البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي.
إن هناك غموضا عادة ما يحيط بالاستفتاءات فالتجارب السابقة علمتنا أنه عندما يتخذ الناخبون مثل تلك القرارات فإنه نادر ما يركزون على القضية المطروحة ففي الاستفتاءات المتعلقة بمسودة دستور الاتحاد الأوروبي سنة 2005 على سبيل المثال ركز الهولنديون على اليورو بينما كان الفرنسيون يشعرون بالقلق بأن السباكين البولنديين سيأخذون وظائفهم.
إن الدلائل تشير أنه لغاية الآن فإن الاستفتاء البريطاني المقبل سوف يتبع النمط نفسه حيث يركز الناخبون بشكل أكبر على الأفكار المبسطة والأحكام المسبقة والمشاعر عوضا عن التركيز على الاعتبارات العملية علما أن المعسكر المضاد للاتحاد الأوروبي كان هو المعسكر الأكثر عاطفية والأكثر إلهابا للمشاعر.
من وجهة النظر الأوروبية فإن هذا يثير مشاعر القلق العميق فمن المعروف أن الخروج البريطاني سوف يوجه ضربة قاصمة للتكامل الأوروبي وربما يتسبب في تفكيك عملية هشة بالفعل ولكن يتوجب على البريطانيين أن يشعروا بالقلق كذلك فيما يتعلق بعواقب الانســـحاب وذلك نظرا للمعلومات القليلة المتوفرة عن ماذا سينطوي عليه ذلك.
إن المشكلة أن معظم البريطانيين لا يعرفون الكثير عن الاضطراب الذي سيحدث بعد الخروج البريطاني فبالإضافة إلى التأثير على حركة الاستقلال الأسكتلندية واتفاقية الجمعة العظيمة في أيرلندا «والعلاقة الخاصة» بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية هناك أسئلة مهمة تتعلق بمستقبل العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي. إن العديد من أنصار الانسحاب يختارون بانتقائية السياسات والأنظمة مثل أحكام اتفاقيات التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي مع كندا وسنغافورة من أجل عمل تصور لما قد تبدو عليه الحياة بالنسبة لبريطانيا بعد الخروج من أوروبا فهم يريدون أن يؤمن البريطانيون ليس فقط بأن المنطقة المالية في لندن سوف تبقى المركز المالي الأفضل في أوروبا بل أيضا بأن بريطانيا سوف تحتفظ بحرية الوصول للسوق المشتركة الأوروبية وحتى بدون حرية حركة العمالة.
إن هذا وهم كبير، فعلى الرغم من أن المملكة المتحدة سوف تحتفظ بمكانتها الدولية فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية والخارجية، إلا أن نفوذها فيما يتعلق بالتفاوض على اتفاقيات التجارة والاستثمار -بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي نفسه والذي يشكل نصف التجارة البريطانية- سوف يضعف بشكل كبير والدليل على ذلك تجارب دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل سويسرا والنرويج وفي واقع الأمر فإن قادة الاتحاد الأوروبي لا يشعرون بالسعادة لأن لسويسرا حرية الوصول للسوق المشتركة وفكرة أنهم سوف يعطون المملكة المتحدة ذلك وخاصة بعد صفعهم على وجوههم هو طرح غير مقنع.
البعض يدعي بأن الخروج البريطاني سوف يشبه خروج جرينلاند الذي تم التفاوض عليه بسهولة سنة 1985 من السوق الاقتصادية الأوروبية وهو الانسحاب الوحيد الذي حصل لغاية الآن ولكن الظروف مختلفة تماما فالسوق الاقتصادية الأوروبية المحدودة قبل ثلاثين عاما لا تقارن بالاتحاد الأوروبي القوي اليوم كما أن جرينلاند لا تقارن بالحجم الاقتصادي أو الأهمية السياسية للمملكة المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك لقد تم التخفيف من آثار انسحاب جرينلاند وذلك بسبب روابطها الدستورية مع الدنمارك والتي استمرت في تمثيل مصالحها في الهيئات الأوروبية ونظرا لعدم وجود راع مماثل لتمهيد الطريق بالنسبة للمملكة المتحدة فإن المفاوضات التي ستلي التصويت على الانسحاب سوف تكون معقدة وصعبة ويمكن أن تستغرق سنوات عديدة.
إن كل هذا الغموض سيلقي بظلاله على الشركات والمواطنين العاديين فمن سيريد الالتزام باستثمار طويل المدى في المملكة المتحدة بدون أن يعرف ما هي الترتيبات القانونية التي ستكون موجودة؟
ولتجنب هذه النتيجة يتوجب على المجلس الأوروبي أن يؤكد على إن الآفاق المستقبلية للمملكة المتحدة سوف تكون أكثر استقرارا بكثير كعضوة في الاتحاد الأوروبي بينما يظهر المرونة الأساسية لأوروبا وبالفعل تم السماح لبريطانيا بعدم الانضمام لاتفاقية الشنجن واليورو والشؤون القضائية والداخلية والآن أظهر الاتحاد الأوروبي رغبته في السعي لتسويات وتفاهمات معقولة فيما يتعلق بمطالبات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
سوف يكون من السهل نسبيا تحقيق إجماع في بعض المجالات مثل تعزيز التنافسية وتبسيط الإجراءات ومن الممكن أيضا الاتفاق على إعطاء البرلمانات الوطنية دورا أكبر في توجيه تشريعات الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن كاميرون ذهب بعيدا جدا عندما اقترح السماح للبرلمانات بتوجيه «بطاقة حمراء» لقانون الاتحاد الأوروبي.
أما عن مطالبة كاميرون بإنهاء التزام بريطانيا بموجب المعاهدة بالعمل من أجل تحقيق «اتحاد أوثق من أي وقت مضى» فإن مفتاح الحل من أجل التوصل لحل وسط يمكن أن يكون بسيطا فعوضا عن التحرك من أجل دمج الدول الأعضاء بشكل أعمق، ربما يتوجب على الاتحاد الأوروبي تحويل تركيزه على توحيد الشعوب الأوروبية وتوثيق العلاقات بينها.
إن القضية الأخيرة يمكن أن تكون الأصعب وهي الهجرة والرعاية الاجتماعية فكاميرون قد طالب بتجميد منح الإعانات العمالية وإعانات الأطفال للمهاجرين من الاتحاد الأوروبي للمملكة المتحدة لمدة أربع سنوات وهي مقاربة يتفق الكثيرون بأنها تنطوي على التمييز. إن أحد التحولات والتي قد تمهد الطريق للتوصل لحل وسط فيما يتعلق بهذا الموضوع المتنازع عليه بشكل كبير هو أن يكون هناك فصل واضح بين المناقشات المتعلقة بهذا الموضوع والمناقشات والجدل القائم فيما يتعلق بأزمة اللاجئين الحالية فيجب أن يبقى التركيز على البولنديين واللاتفيين وليس السوريين.
لقد كانت مقولة ونستون تشرشيل الشهيرة سنة 1953 «نحن مع أوروبا ولكن لسنا جزءا منها ونحن مرتبطون بها ولكن بدون أن يؤثر ذلك علينا» ولو استطاع المجلس الأوروبي المقبل التوصل لتسوية تعكس هذه المشاعر فإن الخروج البريطاني يمكن تجنبه وهذا يصب في مصلحة الجميع ولكن مع وجود استفتاء يلوح في الأفق فإنه حتى وجود صفقة جيدة قد لا يكون كافيا فمع استمرار هيمنة الوهم والتلاعب على النقاشات البريطاني فإنه يمكن أن تكون هناك مفاجأة واقعية في انتظار بريطانيا-وأوروبا-.
وزيرة خارجية إسبانيا السابقة، ونائبة رئيس البنك الدولي ومستشارته العامة سابقا