توقفوا عن تأمين الكوارث المناخية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص

بيل مككيبن

في الشهر الفائت استمتعت المملكة المتحدة بيومها الأول بدون الحاجة للطاقة التي يتم توليدها عن طريق الفحم منذ بداية الثورة الصناعية وهذه أخبار رائعة وهي إشارة لما قد يحصل في المستقبل بينما تدخل الدولة التي بدأت علاقة الحب قبل قرون عديدة بين البشرية وحرق الصخور السوداء في مرحلة جديدة.

وكما تم استبدال الفاكس بالبريد الإلكتروني وزيت الحوت بالكيروسين فإنه يتم استبدال الفحم بأشكال أنظف من الطاقة وهذا التحول سيحدث بشكل أسرع -وربما بالسرعة التي تسمح لنا على أقل تقدير أن نبطئ من رتم التغير المناخي- لو لعب قطاع التأمين الضخم والقوي دوره في هذا الخصوص.

إن قيام قطاع التأمين بالتأمين على تطور المجتمع الصناعي وعلى الفحم الذي قام بتوفير الطاقة يعني أن هذا القطاع كان واحدا من العوامل المساعدة الحيوية خلال الثورة الصناعية، إذ عادة ما يتم نسيان دوره. لقد قال هنري فورد وهو ينظر إلى ناطحات السحاب في نيويورك «لم يكن ذلك ليحصل بدون شركات التأمين فبدون تأمين لم يكن لتبنى ناطحات السحاب ولن يقوم أي مستثمر بتمويل بنايات يمكن أن تحترق تماما بسبب عقب سيجارة». نظرا لقدرة شركات التأمين على توزيع المخاطر على استثمارات واسعة فلقد تمكنت تلك الشركات من تمكين حدوث نشاطات عالية المخاطر لقرون، وهذا الكلام ينطبق تماما على نشاطات تساهم في أكبر مخاطرة على التاريخ الإنساني وهي الاحتباس الحراري.
بينما يعلن ممثلو قطاع التأمين عن نيتهم للحد من التغير المناخي والتحقق من وجود كوكب قابل للحياة، ما زال وكلاؤهم مشغولون في الغرف الخلفية باستخدام سحرهم المالي من أجل التأمين على محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم وآبار النفط ومشاريع النفط الصخري وأنابيب النفط وغيرها من المشاريع الملوثة علما أن العديد من المشاريع غير مجدية اقتصاديا لولا الخدمات التي توفرها شركات التأمين حول العالم.
إن شركات التأمين تعتبر من أكبر ملاك الأصول على مستوى العالم. لقد كانت هناك أموال تقدر بمبلغ 31.1 تريليون دولار أمريكي تحت إدارة شركات التأمين بحلول نهاية سنة 2014 مما يعني أن شركات التأمين تمثل حوال ثلث جميع الأصول المؤسساتية في الاقتصاد العالمي.
لا نعرف بالضبط كمية الأموال التي وضعتها تلك الشركات في مشاريع الوقود الأحفوري ولكنّ هناك شيئا واحدا واضحا: حتى نمنع ارتفاع درجة حرارة الكوكب إذ لا تتجاوز درجتين مئويتين مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية وتجنب الاحتباس الحراري السريع، نحتاج إلى عدم تطوير غالبية أصول الفحم والنفط والغاز.
إن من السخرية بمكان معرفة أنه بينما ساعد الفهم العميق لعلوم المناخ من قبل شركات التأمين على جعلها من أوائل اللاعبين ضمن قطاع الأعمال التي تقر بدور التغير المناخي بشكل علني وتدعو للتصدي له، إلا أن قطاع التأمين ما زال من اللاعبين الرئيسيين في مشاريع الوقود الأحفوري. لقد قامت شركات التأمين بإيجاد واستدامة حلقة مفرغة تتمثل في تسهيل المشاريع التي تتسبب في الاحتباس الحراري مع توفير التأمين ضد التأثير السلبي للمناخ على تلك المشاريع.
ونظرا لإدراك شركات التأمين المبكر بالحاجة للتعامل مع التغير المناخي فإن صفقة قطاع التأمين الشيطانية قد نجحت لغاية الآن في تجنب التدقيق من قبل مجموعات الضغط ولكن هذا على وشك أن يتغير الآن.
لقد أعلنت شركة التأمين الفرنسية العملاقة أكسا في أواخر الشهر الفائت أنها لم تعد تقدم خدمات التأمين للشركات التي يأتي أكثر من 50 % من دورة رأس المال فيها من الفحم وهذا التغيير بني على قرار أكسا الفائت بعدم الاستثمار في تلك الشركات.
إن هذه خطوة مهمة لجعل الفحم غير قابل للتأمين. إن الحقائق واضحة تماما وهو أن الوقود الأحفوري لا يؤدي فقط للتغير المناخي المدمر ولكن أيضا للعديد من التهديدات الأخرى ولدرجة أن التأمين على الطاقة الجديدة التي يتم توليدها من الفحم والمناجم يعد بمثابة صفعة في وجه الإدارة المعقولة للمخاطر المالية. إن حرق الفحم الذي يعد أكبر قاتل على وجه الأرض يجب أن لا يكون قابلا للتمويل علما أنه يتسبب في ملايين الوفيات كل عام من خلال التلوث الهوائي وارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة الأنواء المناخية.
إن قرار أكسا هو قرار عقلاني مبني على حقائق لا تقبل الجدل ونظرة واقعية للمستقبل فالتأمين في نهاية المطاف مبني على فكرة أن المستقبل يشبه إلى حد ما الماضي مما يجعل المستقبل قابلا للتوقع ولكن لو بقينا نعمل على تسخين الكوكب فإن هذا الافتراض سيختفي. إن شركات التأمين تعاني بالفعل بسبب صعوبة توقع مستوى ارتفاع سطح البحر بالنسبة للعقارات الساحلية وما مدى شدة العواصف التي ستضربها.
لقد حان الوقت لشركات أخرى أن تحذو حذو أكسا على أسس أخلاقية واقتصادية كما يتوجب على تلك الشركات أن تقر أن الوقود الأحفوري غير قابل للتأمين وبالنسبة لتلك الشركات -ولبقيتنا- فإن أفضل تأمين هو أن نبقي الوقود الأحفوري في مكانه الطبيعي أي في باطن الأرض.

مؤسس مؤسسة 350 دوت اورج