ربيع دولي مزيف

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٠٣ ص
ربيع دولي مزيف

كارمن راينهارت
فينسينت راينهارت

في كل ربيع، يندفع البيروقراطيون الدوليون أفواجا إلى واشنطن العاصمة، كما تندفع أسراب السنونو إلى إرسالية سان خوان كابيسترانو في كاليفورنيا، لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ يتبادلون المعلومات حول اقتصاداتهم المحلية وآفاق السياسات. ولأن هؤلاء المسؤولين يحضرون مناسبات متعددة على مدار الأسبوع، ينشأ ما يشبه غرفة الصدى، والتي يخرج عنها تصور عام لحالة الاقتصاد العالمي. ثم يتأثر صناع السياسات في مختلف أنحاء العالم بهذا التصور.

وهذه المرة، كان الشعور إيجابيا. فوفقا لما ذكره موظفو صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، من المنتظر أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 2% في الاقتصادات المتقدمة هذا العام والعام الذي يليه. وهذا كفيل بخفض معدل البطالة إلى أقل من 6 %، وهو ما لا يختلف كثيرا عن المعدل قبل الأزمة المالية في العام 2008. والآن أصبح الانكماش أو تباطؤ التضخم ذكرى من الماضي، مع استقرار تضخم أسعار المستهلك عند مستوى 2 % تقريبا، وهو الهدف الذي تسعى أغلب البنوك المركزية إلى تحقيقه.

ولكن كما يعلم أي مقيم في نيو إنجلاند، فإن أمطار أبريل لا تجلب دوما زهور مايو، بل وربما تجلب في بعض الأحيان المزيد من الأمطار الأكثر برودة. ونخشى أن المسؤولين يشعرون بارتياح مبالغ فيه إزاء استقرار الأوضاع الاقتصادية. ولكن بعيدا عن الأرقام في العناوين الرئيسية، لن نجد أدلة حقيقية على حل المشاكل الأساسية. ولن تكون هذه المرة الأولى. إذ يحمل سجل ما بعد العام 1945 «عقدين ضائعين» فائتين، إذ كان أداء الاقتصادات التي تناضل في محاولة للتعافي من الأزمات المالية الشديدة -بما في أكثر من عشر دول في أمريكا اللاتينية في الفترة من 1982 إلى 1992، وفي اليابان من 1992 إلى 2007- أقل من اتجاهات نموها المعتادة واتجاهات نمو أقرانها.
وبقدر ما يبدو هذا التاريخ كئيبا، فإن نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي كان إيجابيا في 60 % من تلك السنوات في أمريكا اللاتينية ونحو 75 % من السنوات في اليابان. والواقع أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي توسع بأكثر من 2 % في ربع تلك السنوات على الأقل. أي أن أشعة الشمس مرت إلى هذه الدول عبر ما تبين الآن أنها كانت سماء ملبدة بالغيوم غالبا.
الواقع أن تسارع النشاط الاقتصادي ربما يحرك الأمل في الدوائر الرسمية، ولكن المستويات أيضا مهمة. ففي أوروبا، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إيجابيا بالكاد، في المتوسط، منذ اندلاع الأزمة المالية، وكان مستواه في العام 2016 أقل بنحو 20 % عن المستوى المتوقع وفقا للاتجاه على مدى السنوات العشر حتى العام 2007. ويعد هذا التعافي الأبطأ من أي أزمة مالية حادة منذ قرنين من الزمن. ويخفي التجميع مشاكل عديدة: فلن تستعيد اليونان وإيطاليا، على سبيل المثال، مستويات نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي التي سادت قبل الأزمة في غضون الفترة التي يغطيها تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، والتي تمتد إلى العام 2022.
صحيح أن الرياح المعاكسة للإنفاق بعد الأزمة تشكل عائقا كبيرا يحول دون النمو، وهو ما يرجع جزئيا إلى استمرارها. ولكن ركود النمو في الناتج المحتمل في تلك الفترة كان عنصرا مركزيا في الأداء الاقتصادي. وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المحتمل في الاقتصادات المتقدمة -بوسعنا أن نعتبر هذا الاتجاه الأساسي للإمدادات الكلية- انخفض بنحو النصف هذا القرن، من 2.71 % في العام 2001 إلى نحو 1.28 % قبل بضع سنوات فقط. وتزداد الصورة قتامة في الولايات المتحدة، إذ يشير مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن اتساع الفجوة كان الضعف، من نحو 4 % إلى 1.5 %. ولكن كل اقتصادات مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى تشترك في هذه الظاهرة، بسبب تباطؤ وتيرة نمو سكان هذه الدول الذي تمكنت منهم الشيخوخة السكانية، والانسحاب من سوق العمل، وإضافة القليل من الناتج لكل ساعة عمل إضافية.
من الصعب أن نتكهن ما إذا كانت معدلات الإنتاجية أو الناتج لكل ساعة سوف تستمر في التراجع. ولكن البيانات هي البيانات، وهي تشير بوضوح تام إلى أن نمو الإنتاجية كان فاترا ضعيفا لبعض الوقت.
إن نمو الناتج المحتمل ليس مجرد فكرة تجريدية في أذهان أهل الاقتصاد. وإذا اتجه مسار الدخل إلى الجنوب، كما يبدو الحال حقا، فلن نجد موارد كافية في المستقبل لتلبية احتياجاتنا. وبقدر ما استهلكنا واقترضنا الآن ترقبا لارتفاع الدخل، سوف يكون مقدار خيبة الأمل في انتظارنا.
من المؤكد أن المجال متسع لخيبة الأمل في الاقتصادات المتقدمة، خاصة وأن إجمالي الدين الحكومي العام يدور حول 106 % من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي كما يمتد العجز المالي إلى ما هو أبعد من أفق التوقعات. ويزداد تعقيد حسابات الميزانية مع تطبيع البنوك المركزية للسياسة النقدية، حتى لو لم تعد أسعار الفائدة بالكامل إلى مستويات ما قبل الأزمة. وفي الاقتصادات التي يحمل سجلها قيودا مالية حديثة، بما في ذلك أستراليا وكندا ونيوزيلندا، كان القطاع الخاص يقترض بمعدلات هائلة. وفي أوقات الأزمات، تتحول أخطاء القطاع الخاص عادة إلى التزامات على القطاع العام.
الواقع أن آلية الحكومة التمثيلية تعمل على نحو أفضل عندما تستخدم لتقسيم فطيرة اقتصادية متنامية. على سبيل المثال، عندما كان اتجاه نمو الاقتصاد الأمريكي نحو 4 %، كان بوسعنا أن نتوقع تضاعف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غضون 18 عاما، وكان هذا ليطمئن الآباء بشأن مستقبل أبنائهم الاقتصادي. وفي ظل الاتجاه الحالي للنمو بنسبة 1.5 %، تمتد الفترة اللازمة لتضاعف الناتج المحلي الإجمالي إلى 48 سنة، وهو ما من شأنه أن يجعل الآفاق الاقتصادية لجيل الأحفاد مظلمة. تُرى هل يبادر المسؤولون المنتخبون، في ظل هذه الظروف، إلى اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة للانتقال من تثبيت الاستقرار الاقتصادي إلى التعافي المستدام؟

كارمن راينهارت: أستاذة النظام المالي الدولي في جامعة هارفارد

فينسينت راينهارت: كبير الاقتصاديين في ستانديش ميلون لإدارة الأصول