محمد بن سيف الرحبي
كل هذه البلايين من الدولارات التي تحرق من أجل الحروب، كان يمكن لهذا الآدمي التعيس أن يستثمرها في زراعة السلام على وجه الأرض.. فيحصد إنسانية كالتي أرادها الله له، خلافة في الأرض وعمارة.. لا هدما ودمارا.
لا حاجة للتذكير بأن ثمن القنبلة يكفي لإعالة بيت فقير، وقيمة الصاروخ تساوي كلفة بناء عشـــرات البيوت لفقراء لا يجدون ما يحميهم من حر الصيف وقرّ الشتاء، والدبابــة تقيم مركزا ثقافــيا يمكنه أن يؤوي صناعة السلام كأحد منتجاته القابلة للرواج، أكثر من بضاعة الموت المنثالة برا وبحرا وجوا تحصد البشر كـــما تحصـــد ماكينة الــزرع أعـــواد القمح.
مأساة عالمنا المعاصر أنه ينحاز لصناعة الموت، والاستثمار في أدواته، فيأتي الحصاد كما تشاء “النوايا” ومع ذلك يجري القول إن قتل الآخرين يأتي للدفاع عن وطن، وتدمير أوطانهم للدفاع عن الدين، ودفن البشر تحت ركام منازلهم محاولة لإسقاط النظام.
لو أن البلايين التي أنفقت على مدار السنوات القليلة الفائتة على استقرار تلك البلدان المحســــوبة على “الدول الفاشلة” أو على وشك اعتبارها هكذا، لتغير المشهد حتما، والســـلام يعني التعليم والصحة والانتماء لوطن يستحق أن يعيش المرء من أجله، لا أن يموت بالضرورة كما روّجت شعارات النفاق الجماهيري، حيث إنه “بالروح والدم” يفدى الحــاكـــم، ثم لا يجد الحاكم ما يكافئ به شـــعبه سوى أن يفني أرواحهم ويسيل دماءهم من أجل “عرشه” الدموي، وتتكفل أجهزة المخابرات وســـائر المشـــتقات الأمنــية بفرز المواطن الصالح من الطالح بحسب ولائه للحاكم لا للوطن.
لو أن زعماء العروش العربية التي انهارت استثمروا في سلام أوطانهم لوجدوا الســـلامة حينما هبّــت زوابع “البلاء العربي” العام 2011، ولو أن زعماء العروش العربية الأخرى الذين أنفقوا مئات البلايين للثأر من حــاكم لا يعجبهم استثمـــروا تلك الأرقــام المذهلــة لمساعدة تلك الشـــعوب ومـــدّهــا بوســـائل “السلام” لبقـــيت أوطـــان العرب سالمة مطمئنة، أو على الأقل في حال خير مــما هي علــيه اليــوم، دول تواجــه دمـــارا ســياسيا واقتصاديا وحضـــاريا.. ودول تدعـــم فاتورة “الشقاق” داخل كل بلد، كأنما إذا انتصر هؤلاء على هــؤلاء ســيعم الســـلام، وستشرب الأرض الدم المراق بكل بساطة، وسينسى أهل القتيل ثأرهم مع رفع سرادق العزاء.
لو أن البلايين التي دفعت لهذا الزعيم أو ذاك (ولأسباب شتى) توجهت لإقامـــة مدارس ومستشفيات وبنى تحتية في تلك البلدان العربية الفقيرة لما وصل الصومال إلى ما وصل إليه اليــوم، ولبقيـــت راية بني أمية تســـمق في ساريتها فخرا للعروبة لا وبالا عليها، ولما انقســـم السودان إلى سودانين، ولعرفت مصر العروبة اســتقرارا وبـناء تســـتحقه، ولعاشت تلك البلدان اقتصادا يمتلك أدوات تطوره كما فعلت بلدان أوروبا وهي تنهض واحدة تلو أخرى رغم عدم امتلاكها مقومات كالتي تعرفها بلدان وطننا العربي.
هل سيكف المال العربي عن تمويل القتل العربي ومحاولة نشره أم أن السلام لا يتناسب مع عقليات تريد بسط “أيديولوجياتها” رغم أنف الجميع؟!