ديفيد إجناتيوس
منذ خمس سنوات مضت، اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارا ساعد على إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك. لقد كانت سياسته تمثل رهانا على أن طفرة الربيع العربي الديمقراطية يمكن أن تقود إلى انتقال سياسي مستقر في مصر وفي أماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
إن احتضان أوباما لمطلب المتظاهرين في ميدان التحرير برحيل مبارك فورا كان عملا مثاليا ومفهوما وحظي بشعبية في وقتها. ولكن يمكننا القول إنه كان من بين أكبر الأخطاء التي اقترفتها رئاسة أوباما. والمثير للاهتمام أن هيلاري كلينتون كانت أقرب كثيرا إلى الصواب من الرئيس أوباما في هذا الأمر.
ولأن هذه الأحداث ساعدت في تشكيل اضطرابات الشرق الأوسط التي زادت سنة بعد سنة منذ عام 2011، فإنها تستحق المراجعة. هذا ليس مجرد درس من دروس التاريخ: فهذه القصة تعزز وضع هيلاري كلينتون لأنها قامت بتحليل قضايا رئيسية في السياسة الخارجية بشكل صحيح أثناء عملها وزيرة للخارجية. وتشير السجلات إلى أنه لو تم اتباع نصيحتها، لكانت الولايات المتحدة في موقف أقوى في العالم العربي اليوم.
لقد أرسلت كلينتون إلى أوباما تحذيرا تنبؤيا في يناير عام 2011 في وقت بداية الأزمة المصرية، وهو ما ذكرته في كتابها «الخيارات الصعبة» المنشور عام 2014، جاء فيها: «قد تكون النتائج محمودة في مدة خمسة وعشرين عاما، ولكني أعتقد أن الفترة بين الآن وذلك الوقت ستكون صعبة جدا على الشعب المصري وعلى المنطقة وعلينا نحن أيضا».
تروي كلينتون القصة الأساسية في مذكراتها، فتقول: في ظل احتلال المتظاهرين لميدان التحرير، أرسل أوباما فرانك ويزنر، وهو سفير سابق لمصر، لمقابلة مبارك في الثلاثين من يناير عام 2011. وكان مضمون الرسالة هو أنه يجب على مبارك التعهد بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى وأن يبدأ في عملية انتقال سلمي للسلطة. وفي خطاب متلفز في الليلة التالية، حسب مذكرات كلينتون، استجاب مبارك «فعلا لمعظم ما طلبه منه ويزنر، ولكن الوقت كان متأخرا جدا بالنسبة للحشود في الشوارع ولفريق العمل في غرفة العمليات على حد سواء».
ثم أصبح السؤال بعد ذلك هل يتم دفع مبارك علنا باتجاه انتقال فوري للسلطة. كتبت كلينتون: «التزم كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، بما فيهم أنا، الحذر. ولكن أعضاء آخرين في الإدارة عادوا مرة أخرى إلى مثالية الرئيس وجادلوا بأن الأحداث على الأرض تتحرك بشكل أسرع من أن ننتظر».
خرج أوباما على شاشات التلفزيون ليلة الأول من فبراير وقال إن الانتقال «يجب أن يبدأ الآن». وهنا كانت نقطة اللاعودة: كانت جماعة الإخوان المسلمين، أقوى قوة معارضة في مصر، متأخرة في الانضمام إلى الثورة ولكنها تحركت الآن للاستفادة منها. وقد واصلت كل من كلينتون وويزنر الحث على توخي الحذر، ولكن أوباما انتقدهما لإرسالهما «رسائل مختلطة» تنتقص من خط البيت الأبيض. وتصاعدت احتجاجات ميدان التحرير، ورفض الجيش التدخل، واستقال مبارك في الحادي عشر من فبراير.
كتبت كلينتون: «إن الفريق من بيننا الذي فضل موقف الانتقال المنظم كان قلقا من أن القوى المنظمة الوحيدة بعد مبارك هي جمــاعة الإخـــوان المسلمين والجيـــش». وقد كانت محقة في هذا تماما، كما أظهرت السنوات الخمسة الفائتة.
لقد كان المتظاهرون المندفعون في ميدان التحرير لا يمكن مقاومتهم، ليس فقط بالنسبة لأوباما بل أيضا بالنسبة لمعظم دول العالم. ولكن حتى في الشوارع، كان واضحا أن مصر (بدعم من الولايات المتحدة) تتحمل مخاطرة. «إن الشعب المصري يراهن على أن جماعة الإخوان المسلمين لن تدمر تجربتهم الديمقراطية الجديدة. ولكن كما هو دائما الحال مع التغيير السياسي الحقيقي، من المستحيل أن تكون متأكدا من شيء،» هكذا كتبت أنا في ذلك الوقت، بعد مشاهدة مئات الآلاف من المسلمين المصريين يؤدون صلاة الجماعة في ميدان التحرير، «صورة تستحضر إلى الذهن طهران أكثر من القاهرة».
إحدى عبارات «ماذا لو» الكثيرة في التاريخ هي ماذا كان يمكن أن يحدث لو كان قد تم السماح لويزنر بمواصلة التحدث مع مبارك عن التغيير التدريجي للسلطة. في مقابلة معه مؤخرا، جادل ويزنر قائلا: «كان يجب علينا الدعوة إلى انتـقال منظم للســـلطة، بدلا من مطالبة مبارك بالخروج من المشهد، بدون وجود أي استراتيجية لما سيحدث بعد ذلك. لقد كنا بحاجة إلى مسار مسؤول للاستقرار والتطور، وليس الثورة».
لم يكن بإمكان أحد أن يتنبأ بالسلسلة الكارثية من الأحداث التي أعقبت انتفاضة ميدان التحرير. لقد أدى الانقلاب في الشوارع إلى انتخاب الرئيس محمد مرسي؛ وقد أدت انتهاكاته إلى انقلاب مضاد من قبل الجيش المصري. وبتشجيع من الأحداث في مصر، أسقط الثوار ديكتاتورا في ليبيا (بمساعدة الولايات المتحدة) ومازالوا يحاولون إسقاط آخر في سوريا. ومازال حكام المملكة العربية السعودية يشعرون بالصدمة لتخلي الولايات المتحدة عن مبارك.
لقد فهم الكثير من الناس مصر خطأ. ولكن واحدة من القلائل الذين فهموا الأساسيات فهما صحيحا هي هيلاري كلينتون. هذه ورقة ينبغي عليها أن تلعب بها بشكل أكثر فعالية في هذه الحملة الانتخابية المحتدمة.
كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية
بصحيفة واشنطن بوست