معارك التواصل الاجتماعي بين العرب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٤٥ م
معارك التواصل الاجتماعي بين العرب

د. حامد بن شظا المرجان

يتحدث زوار مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي ومن خلال قنواته المختلفة الفيس بوك والتويتر وغيرها عن الصراع السياسي الدائر في البلدان العربية ويلاحظ الانقسام الشديد في الرأي العام العربي التي تمثله الحوارات السياسية لمواطني الدول العربية في وسائل التواصل الاجتماعي والتي سنورد بعضها باختصار في هذا المقال. نظرا للتحولات والتعقيدات السياسية التي يشهدها الوطن العربي اليوم يعبر المواطن العربي عن رأيه من خلال هذه القنوات التي أتاحت له حريه إبداء رأيه بعيدا عن أجهزة الرقابة والمتابعة السياسية والأمنية. من خلال متابعتي لقنوات التواصل الاجتماعي والحوارات بين منتسبي هذه القنوات أجد المواطن العربي في حيرة من أمره جراء السياسات المتباينة،‬ والمصالح المتناقضة، والهويات المتصارعة، والتطورات المتسارعة ‬التي تكشف بين الحين والآخر عن تحولات مهمة في بنية النظام العربي ‬وتفاعلاته مع محيطه الإقليمي والنظام العالمي. ‬لكن ما يحدث في سوريا،‬ يعد أكثر تفاعلا، ‬وتشابكا،‬ وتداخلا،‬ وغموضا على كافة المستويات، ‬على النحو الذي يطرح العديد من التساؤلات من زوار مواقع التواصل الاجتماعي حول طبيعة هذه التحولات،‬ والتغيرات،‬ والتفاعلات الجارية في هذه الدولة العربية التي أصبحت مسرحا للصراع العالمي وانعكاس ذلك على الأمن العربي. ‬تعرض الوطن العربي لموجات عدة من التحولات السياسية وهذه التحولات ترمي بضلالها على مصير أمتنا العربية. المتتبع للأحداث السياسية العالمية والتحولات السياسية المتمثلة في انهيار ما يسمى الاتحاد السوفيتي وظهور سياسة القطب الواحد كانت بداية لانهيار النظام العربي وعدم استقراره لأسباب تعود إلى تابعية هذه الدول في توجهاتها السياسية إلى دول وكيانات ذات مصالح متباينه، والآن، ‬يبدو أننا أمام موجة جديدة من التحول لها شواهدها وإرهاصاتها، المنبثقة من جملة التطورات الإقليمية التي تفجرت في أواخر القرن الفائت. الغريب في الأمر أن التطورات السياسية في عالمنا العربي بعد هذه الأزمات أدخلت عالمنا العربي منعطفا جديدا،‬ أدي إلى تسارع وتيرتها، الأمر الذي أسهم في زيادة ليس حدة التفاعلات الإقليمية والدولية فحسب بل كراهية أبناء الأمة الواحدة لبعضهم البعض حسب الانتماء المذهبي وهذا شديد الوضوح في جدالهم السياسي في قنوات التواصل الاجتماعي. وإذا كان من نتائج هذه تطورات الصراع العربي تأسيس المنظمات الجهادية بمسميات وأجندات مختلفه تتوزع في محيط العالم العربي حسب الانتماء السياسي والمذهبي.‬ هذه الأحداث والتطورات السياسية اعتبرت في ذلك الوقت من بعض الدول العربية بأنها أحداث تخص دولة ما ولم تنظر إلى أبعادها وتطوراتها الاستراتيجية واعتبرها البعض بأنها تخص نظاما سياسيا لوحده وغيرهم ليس معنيا بالأمر. بعد ذلك جاءت ثورات الربيع العربي التي جعلت الوطن العربي ساحة للدمار والإرهاب وملعبا خصبا للممارسات السياسية الدولية لإرساء ما يسمى بالنظام الديمقراطي في الوطن العربي وتم استهداف الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه. البعض في التواصل الاجتماعي يعتقد بأنها مؤامرة تتبنى العدالة والديمقراطية في ظاهرها والخراب والدمار في باطنها والآخر يرى غير ذلك. لا نزال نشاهد أحداثها الدامية في سوريا وليبيا والعراق ومصر واليمن وندعو الله بأن يجنب بقية الدول العربية هذا الزلزال المدمر. ما حصل من تفاعلات سياسية جراء هذه الأحداث ‬وما تبعهما من مواقف وسياسات،‬ يساوي حركة‬ غير مسبوقة من التحولات والتغيرات في مواقف الدول وسياساتها، ‬وكذلك في شبكة التحالفات القائمة على كافة المحاور،‬ ومنها ما هو الإقليمي إيران وتركيا وآخر ‬دولي روسيا وأمريكا.‬ لا شك أن الخليج الداعم لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة أدرك أن المؤامرة لا يمكنها أن تتوقف عند هذه الدول فقط وإنما هي شامله للوطن العربي فقامت بدعم نظام السيسي، سواء كان ذلك ماديا أو دبلوماسيا، الأمر الذي فاجأ وأربك القوى الإقليمية والدولية رغم العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج المؤيدة والمعارضة لما يحدث في الدول العربية وسوريا واليمن وليبيا خاصة مما جعل كثيرا من هذه الدول تراجع مواقفها تحت تأثير الإقناع الخليجي. دول الخليج جميعها تعمل باستراتيجيات جماعية ومنفردة ولكن جميعها أهدافها واحدة وهي الحفاظ على الوحدة العربية وتماسكها. تحولت العلاقات المصرية من بعض الدول الخليجية تقريبا من التوتر والتأزم في ظل حكم الإخوان إلى التحالف والتعاون في ظل نظام السيسي لأن مصر خط أحمر بالنسبة للدول العربية والخليجية خاصة بالرغم من تباين سياساتها.‬ واللافت في هذا الصدد أن تجدد التحالف المصري الخليجي قد يشير إلى رسالة مفادها أن العرب مدركون لما يحيط بهم من مؤامرات إقليمية ودولية وأنه يجب دعم مصر في هذه المرحلة لتحقيق المصالح العربية المشتركة.

أما من ناحيه التفاعلات العربية الدولية، فبداية شهدت التفاعلات بين مصر والولايات المتحدة مزيدا من الشد والجذب،‬ في ظل موقف الولايات المتحدة المتأرجح في ما يحصل في الوطن العربي. الولايات المتحدة دولة ذات مصالح استراتيجية متبادلة مع الوطن العربي، ومن الحكمة من وجهة نظر واشنطن‬ الحفاظ على هذه المصالح التي يمكن أن تتعرض للضرر في حالة وجود نظام معاد لها في القاهرة، أو في حالة سقوط مصر لا قدر الله‬ في براثن الفوضي، خاصة أن الدولة المصرية بعد ‬30‬ يونيو تدرك أهمية المصالح المتبادلة مع الولايات المتحدة، لكن هناك اعتقادا جازما في مصر بأنه لا شيء يتقدم على المصالح العليا للوطن العربي.‬ هناك تفاعلات إقليمية أخرى،‬ وهو التقارب الأمريكي الإيراني، والذي ‬تمثل في إنهاء قضية برنامج إيران النووي، وخفف من المقاطعة والعداء، هذا فضلا عن التقارب الأمريكي الأوروبي،‬ مما شكل حذرا وقلقا لدى الدول العربية من هذا التقارب وتأثيره في مصالح هذه الدول وعلاقاتها التحالفية مع الولايات المتحدة لكن جميع المواقف السياسية والإقليمية والدولية لا تخدم مصالح الوطن العربي ولا شعوبه. فعلى مستوى التفاعلات العربية والإقليمية ‬ألقى الربيع العربي بظلاله على مستويات عدة، منها أنه أسهم في تغير العلاقات العربية العربية والعربية الإقليمية تركيا وإيران من التعاون والتحالف إلي التنافس والصراع. حيث عارضت على سبيل المثال تركيا بشدة ما حدث في مصر. وراهنت أنقرة وطهران على الوضع العربي القائم، واستثمرت فيه سياسيا،‬ واقتصاديا،‬ وإعلاميا، فقد كانت ترغب هذه الدول لأنموذج الدول القائدة للوطن العربي المتصارع الذي أصبح بدون قيادة انطلاقا من وجود تحالفات لها في مصر،‬ وتونس،‬ وفلسطين، وسوريا واليمن ولبنان وسوريا والعراق في حالة نجاح الأنظمة التي تنتمي للمرجعية السياسية التي تتبع لها، على أن تكون تركيا أو إيران هي القطب أو الدولة المركزية التي تقود هذه المنظومة الجديدة.‬ خلاصة حوار الرأي العام العربي في التواصل الاجتماعي إن هناك حالة من التحولات ‬غير مسبوقة في الوطن العربي، حيث العلاقات تتبدل، والتحالفات تتغير ولكن ما يهمنا هو إدراك القيادات العربية بأنه مهما تغيرت المصالح والتحالفات يجب الحفاظ على مصالح الوطن العربي الواحد المهدد بالانهيار والتفكك والعودة إلى الاستعمار الإقليمي والدولي واللبيب بالإشارة يفهم. نصيحتنا للمتحاورين في وسائل التواصل الاجتماعي الابتعاد عن إعمال الألفاظ السيئة والابتعاد عن التحزبات والطائفية والأفكار السلبية، وأن يكون حوارنا مبنياً على تقبل الآخر وعدم إلغاء فكره أو انتمائه السياسي أو المذهبي ونقل ساحة الصراعات العربية إلى ساحة التواصل الاجتماعي، وأن يكون التواصل الاجتماعي مبنيا على الحوار البناء الهادف الذي يهدف إلى نصرة القضايا العربية العادلة في مجتمع عالٍ يسوده الاستقرار والسلام العالمي.

باحث وأكاديمي