هل يمكن أن يرتفع سعر برميل النفط مرة أخرى في المستقبل القريب؟ أمنيات تراود الجميع وتوقعات يطرحها الخبراء، إذ أشارت دراسات اقتصادية حديثة إلى إمكانية عودة سعر برميل النفط إلى 60 دولارا مع نهاية الربع الأخير من العام الجاري ودغدغت بذلك أحلام الدول المنتجة التي تأثرت بشدة من التراجع الحاد في أسعار النفط منذ 2014، الأمر الذي أصبح حلما لكل المنتجين بعد أن تعدى سعر البرميل في سنوات سابقة إلى أكثر من 110 دولارات، وكوّن عائدا مجزيا من الفوائض في ميزانيات منتجي النفط، وما زال البعض يعتمد عليها حتى الآن. ولا شك أن ذلك سيكون له مردود إيجابي على الجميع، وخاصة إذا صدقت توقعات هذه الدراسة الحديثة لبنك “سوسيتي جنرال” التي تشير إلى عودة التوازن بين عوامل العرض والطلب مع النصف الأول من العام الجاري، لكي يرتفع سعر النفط إلى 50 دولاراً لخام برنت، ثم إلى 55 دولارا في الربع الثالث، و60 دولارا في الربع الأخير، إلى جانب أن تحسن قيمة الدولار الذي ترتبط به العملات الخليجية سيؤدي إلى ارتفاعها أيضا، بالتالي سوف ترتفع قيمة إيراداتها الفعلية من النفط بنفس النسبة مما ينعكس إيجابا على الدخل في هذه الدول. وسيساعد على ذلك أن معظم الدول العربية بما في ذلك دول الخليج قد تبنت نهجا يحافظ على الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية والخدمات، فيما تركزت بنود ترشيد النفقات على برامج الدعم والنفقات الاستهلاكية. وسوف تتفاقم الأوضاع إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض في سوق تتميز بتخمة المعروض من النفط بالتوازي مع استمرار حالة الركود الاقتصادي بالأسواق الناشئة. ويتوقع البعض أن يقود ذلك الاقتصاديات العربية إلى ركود يستمر إلى سنوات عدة، لا سيما أن صندوق النقد الدولي قد أشار في تقرير له صدر في شهر أكتوبر من العام الفائت إلى أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ستستهلك احتياطاتها النقدية خلال 5 سنوات إذا استقرت أسعار النفط عند مستوى 50 دولارا للبرميل، أما الدول المستوردة للنفط فتستفيد من أي تراجع في الأسعار من خلال خفض تكلفة الاستيراد للنفط ومشتقاته التي تستخدم أساسا في مدخلات الإنتاج وبالتالي فإن بعض الدول لديها فرصة ذهبية لخفض العجز في موازنتها، في حين أن المنتجين يمكن أن يقدموا منتجاتهم بأسعار أقل، ومن ثم تخفيف الضغوط التضخمية، ولكن التراجع الحاد في أسعار النفط يزيد بالتأكيد من مخاوف توقف دول الخليج الغنية عن تقديم الدعم المادي للدول العربية الأخرى، التي سوف تتأثر أيضا من تراجع التحويلات المالية للعمال الذين يعملون في هذه الدول، ومن ثم فإن شبح الركود والتراجع في النمو الاقتصادي للمنطقة العربية بشكل عام. وسيؤدي على المدى المتوسط إلى آثار ملموسة على أداء المصارف العربية، وإن كان ذلك يختلف من دولة إلى أخرى، وتبعا للمدى الذي يعتمد فيها اقتصاد الدولة على تحصيل العوائد النفطية، حيث إن دول المنطقة خسرت ما يقدر بنحو 360 بليون دولار من عائداتها أو أكثر حتى الآن. لكن إذا تطلعنا إلى نظرة تفاؤلية في العام الجاري حول توقع تحسن أسعار النفط العالمية ولو نسبيا، ورغم وجود توجهات من بعض المنتجين في منظمة أوبك إلى خفض في الإنتاج، ومع تباطؤ الإمدادات، كذلك في حال مواصلة تحسن أداء الاقتصاد الأميركي والأوروبي، ومن ثم الاقتصاديات الناشئة مثل الصين والهند، فإن ذلك لا ينفي أن بعض شركات النفط العالمية تصارع للبقاء في ظل هذه الظروف الصعبة، وقد تضطر إلى الاستغناء عن الأيدي العاملة وبعض الكفاءات لديها، وإلغاء أو تأجيل مشاريع التحديث والتطوير المستقبلي، وخفض نفقاتها واستثماراتها إلى حد كبير.