علي بن راشد المطاعني
يمكن الاستفادة من كل ما أُثير في الأيام الفائتة حول الخضراوات والفواكه العُمانية والنقاشات التي دارت على نطاق واسع من قِبل شرائح المجتمع كافة، بوجود القناعات التامة لدى الكل بضرورة إنشاء هيئة مستقلة معنية بسلامة الغذاء في البلاد يُناط بها إيجاد حلول لكل هذه الإشكاليات، التي لا يمكن أن تنتهي إلا بإيجاد إطار تشريعي ومؤسسة معنية بهذا الجانب الذي يُعد من أهم المشروعات الهادفة لسلامة الأغذية وفحصها قبل بيعها داخلياً أو خارجياً.
إن إنشاء هيئة كما هو واقع في بقية الدول لإدارة هذا الجانب المهم في حياتنا اليومية ووضع حد للشكوك التي أصبحت تعتري كل مستهلك إزاء سلامة مشترياته من الخضراوات والفواكه في ظل التعاطي غير السليم مع المزروعات في البلاد من قِبل المزارعين بعد أن دخلت التجارة المستترة بقوة في هذا الجانب الحيوي، سيكون حلاً ناجعاً يبلور كل الأطر والإجراءات والتوعية بسلامة الغذاء التي تعني الكثير لحياتنا اليومية.
لقد حذّر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- من هذه التبعات وذلك في كلمته السامية في سيح الراسيات بولاية سمائل في الخامس من فبراير 2007، عندما قال جلالته: «إن المزارع يترك حقله وأرضه لآخر والآخر في الحقيقة وفي الأغلب لا يفهم في الزراعة شيئاً أبداً، ويهدر الماء ويأتي بالأسمدة الكيماوية المكثفة من أجل أن ينتج شيئاً في وقت قصير».. وهو ما يعكس التنبه المبكر من جلالته لهذه المشكلة وانعكاساتها.
فسلامة الغذاء تتصدر الآن سلم الأولويات ليس في السلطنة فحسب بل في كل دول العالم، ولا مزايدة على أهميتها وضرورتها في كل الظروف، وتحرص دول العالم على سلامة الغذاء سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير لما يمثله من أهمية في الوقاية من الأمراض المترتبة على الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة اللاعضوية وتماماً كما أشار جلالته.
إن التجاوزات في هذا الأمر تسيء للبلد، إذ من الممكن أن تواجه الحظر على منتجاتها، ومثل هذا الوضع ينبغي أن يقابل باعتباره مشكلة ينبغي حلها بالرجوع إلى أصلها، ومن ثم العمل بجدية وبروح المسؤولية لمعالجة الإخفاقات التي حدثت، فالاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل، صحيح أن هناك تبعات قاسية موجهة للصادرات الزراعية تتمثل في تراجع قطاعات الإنتاج والتصنيع تبعاً لذلك، فالثقة التي تُبنى في سنوات يمكن أن تهدم بلحظة إذا لم تكن هناك إجراءات مشددة لسلامة الغذاء وعبر مؤسسات لها وزنها وصلاحياتها الواسعة في إدارة هذا الجانب كالجهاز الذي ندعو إلى إنشائه أو دمج بعض الوحدات الخاصة فيه وتشكيلها بحيث تختص في هذا الجانب.
ففي الوقت الذي نقدّر فيه الجهود المبذولة وإن كانت غير مرئية من جانب قطاعات واسعة من المجتمع، في الحد من هذه الملوثات التي تدخل البلاد أو من خلال الإجراءات المتخذة لضمان سلامة الأغذية من خلال المزارع، إلا أن ذلك لا يغني عن وجود هيئة عامة لسلامة الغذاء في البلاد بحجم السلطنة ذات المساحات الزراعية الشاسعة، ودخول المزارعين الوافدين إلى حقول الزراعة وتسلمهم المزارع من المواطنين الذين عهدوا إليهم بالأمر كله مع وجود الرغبة المحمومة في الربح السريع عبر استخدامهم للمبيدات الزراعية بطريقة غير سليمة وغير علمية؛ وذلك بغرض زيادة المحصول من الخضراوات والفواكه لمواجهة زيادة الطلب وغيرها من المسوغات التي تغيب عندها المثل والقيم الأخلاقية لدى مزارعين يفتقدون للتعليم فضلاً عن أبجديات الزراعة ومتطلباتها، ففي مثل هذه الظروف وللكثير من الدواعي، فإن إيجاد مؤسسة كبيرة لتنظيم هذا الجانب أصبحت حاجة ملحة.
هناك محاولات بسيطة وغير فعالة لإنشاء مركز لسلامة الغذاء في بعض الجهات كالبلديات من خلال مختبرات متواضعة لا تفي بالغرض المطلوب ولم تفلح في السيطرة على السوق ولا في إيقاف محاولات التلاعب بالمبيدات في مجال الزراعة خاصة في المحاصيل الزراعية الموسمية التي تزداد فيها تأثيرات هذه المبيدات وخطورتها على الإنسان، وهو ما يفرض لملمة هذه الجهود المشتتة في بعض الجهات كالزراعة والثروة السمكية والبلديات الإقليمية وموارد المياه، وغيرها من الجهات في جهة معتبرة لها هيكلها التنظيمي وصلاحياتها كما هو واقع في العديد من الدول التي يجب أن نستفيد من تجاربها في إنشاء مثل هذه الهيئات المهمة.
نأمل التسريع في إنشاء هيئة سلامة الغذاء لوضع حد للتجاوزات، وصولاً لكل ما من شأنه مراقبة المزارع وتحقيق غايات المستهلك في غذاء خالٍ من الملوثات.