باميلا كسرواني
قد يعتبر كثيرون أن التخطيط والتنمية العمرانية المستدامة ترتكز بالإجمال على مخططات واضحة للمباني في الأحياء والمدن والمناطق، إلا أن الأمر يتضمّن أكثر من ذلك لا بل يشمل الاهتمام بالعديد من القطاعات الأخرى مثل مياه الشرب، والصرف الصحي، والكهرباء، ووسائل النقل. وحتى لو أن بعض الدول العربية تملك سياسات واضحة للتخطيط العمراني إلا أننا غالباً ما نسمع عن أخبار لمناطق غير آمنة أو أبنية تُشيّد في غير محلّها أو أحياء هامشية. الأمر ليس استثناءً في مصر التي تعرف معدلات كثافة سكانية كبيرة قد ولّدت العديد من العمران العشوائي وغير المضبوط.
وفي ظل تكاثر القضايا العمرانية المُلحة، أسس أحمد زعزع وأمنية خليل ويحيى شوكت مجموعة «عشرة طوبة» في يونيو 2014. ويخبرنا يحيى شوكت، الشريك المؤسس ومنسق الأبحاث، «قرارنا لتأسيس عشرة طوبة أتى من اهتمامنا بالتعامل مع قضايا العدالة الاجتماعية الخاصة بالسكن والعُمران بطريقة مهنية».
ويأتي اسم المجموعة التي تهدف إلى العمل مع المجتمعات الهامشية عمرانياً لتحسين الظروف العمرانية والمجتمعية وتحقيق المسكن الملائم لساكنيها تِبعاً لـ«أول يوم اجتمعنا لمناقشة تأسيس المجموعة طبقاً للتقويم المصري القديم»، على حد قول شوكت.
كيف ذلك؟
يشرح لنا شوكت قائلاً: «نقوم بتحليل الإحصاءات والتشريعات لتقديم الحقائق حول قضايا الحرمان من السكن والخدمات، ومعه تقديم التوصيات للتغيّرات المطلوبة للحد من هذا الحرمان»، سواء في المجتمعات المصنفة رسمية وغير رسمية. ويتابع: «كما أننا نتّبع منهجية التخطيط والتصميم العمراني والمعماري بالمشاركة مع أهالي المناطق أو السكن المحروم».
إلا أنّ «عشرة طوبة» لا تكتفي بذلك فحسب. يُبلغنا شوكت «الدراسات تعطينا الرؤية الشاملة لقضية ما، مثل نواحي الإنفاق الحكومي على مشاريع الصرف الصحي، والتشريعات الحاكمة لتنفيذ مثل هذه المشاريع، وأكثر المجتمعات احتياجًا لها. فعند التطبيق يمكن لنا أن نعطي أولوية للعمل مع أكثر المجتمعات محرومة، وأن نقدم مشروعاً قابل للتنفيذ».
ويُعطينا شوكت مثالاً على النشاطات التي تقوم بها «عشرة طوبة». ويقول: «قدمنا للمسؤولين تحليلاً لاحتياجات مجتمع رملة بولاق «أحد أحياء القاهرة»، والذي تم تصنيفه أنه يسكن في منطقة غير آمنة».
تبلغ مساحة منطقة الدراسة والمشروع حوالي 34 فداناً وتحتوي عدداً من المناطق المصنفة غير آمنة طبقاً لدراسات صندوق تطوير المناطق العشوائية، ويبلغ مجموع الأسر التي تقطن المناطق المحرومة عمرانياً حوالي 1300 أسرة.
وقامت «عشرة طوبة» بنشر دراسة بعنوان «رملة بولاق: سيناريوهات التغيير العمراني والمجتمعي» يطرح فيها فريق العمل أسئلة حول التغييرات العمرانية والمجتمعية التي حدثت في المنطقة، كما يطرح سيناريوهات مختلفة حول مستقبلية تلك التغييرات وكيف تؤثر على العمران والتركيبة المجتمعية للمنطقة.
العدالة العمرانية
لم تتردد «عشرة طوبة» في إجراء دراسة أخرى حول موازنة العمران لـ2015-2016 إذ يقول لنا شوكت: «تحليل موازنة العمران أعطانا فكرة عن إجمالي الإنفاق العام على العمران وتوزيعه الجغرافي على ستة قطاعات؛ الإسكان، والتنمية العمرانية، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والكهرباء والتنقّل».
ويرى شوكت أن «الهيكل الإداري والتشريعي الحاليين يحتاجان إلى تطوير كبير للتعامل مع التطوير العمراني من منظورين، العدالة الاجتماعية والاستدامة. فكون أن نصيب الفرد من الإنفاق العام على المدن الجديدة «ضواحي صحراوية تعمل على بنائها الحكومة منذ أربعة عقود» أعلى بكثير من نصيب الفرد الذي يسكن بالمدن والقرى القائمة، لن تحل الأزمات العمرانية». قد يبدو الإنفاق على المدن الجديد أمراً طبيعياً إلى أن تكتشف أن 2 % من المصريين فقط يعيشون في المدن الجديدة مقابل 98 % في باقي مدن البلاد.
وكانت الحكومات المصرية قد ركّزت على هذه المدن الجديدة في محاولة للحد من الازدحام في المناطق الحضرية القائمة إلا أن هذه المجمعات السكنية مكلفة جداً بالنسبة للمواطن العادي.
ويرى شوكت: «الموازنة العامة هي موازنة تقشف ولكن بالموارد المتاحة لا يتم الإنفاق بالشكل المطلوب على المجتمعات الفقيرة والمحرومة مقابل الإنفاق المرتفع على المجتمعات الأعلى دخلاً».
ومن أجل تحقيق العدالة العمرانية، قدّمت «عشرة طوبة» في دراستها مجموعة من التوصيات مثل وضع خطة اقتصادية واجتماعية مبنية على الاحتياجات المحلية، ومراقبة الجهات المعنية لضمان التكافؤ على المستوى الإقليمي والمحلي. ولا يمكن معالجة اللامساواة المكانية التي تكشف عنها موازنة العمران على المستويين الإقليمي والمحلي، وكذلك عبر الهياكل الإدارية المزدوجة التي تدير العمران القائم والمدن الجديدة، إلا من خلال إعادة هيكلة إدارية شاملة.
مؤشر خاص بالحرمان العمراني
ولم تكتفِ «عشرة طوبة» بتحليل موازنة العمران المصرية لا بل أطلقت العام الفائت «مؤشر الحرمان العمراني» الذي هو عبارة عن خريطة قومية لقياس الحرمان كميّاً في مصر، وهو يستخدم ستة مؤشرات: القدرة على تحمل التكاليف، وأمان الحيازة، والمسكن الآمن، والتزاحم، ومياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي المحسَّن.
ويخبرنا شوكت أن هذا المؤشر «أعطانا خريطة للحرمان على مستوى الجمهورية من هذه الخدمات نفسها. يمكن الآن لأي مسؤول، أو مؤسسة مالية أو مؤسسة خيرية أن تُعيد توزيع خريطة الإنفاق العام أو التبرعات بحسب المناطق الأكثر حرمانًا لتحقيق العدالة المكانية في التنمية العمرانية الشاملة».
ويتابع: «كشف المؤشر لنا لأول مرة ضعف قدرة تحمل تكاليف السكن في مصر، للشراء أو الإيجار، على مستوى كل محافظة. وفي رأينا، لا بد أن يكون ذلك أساس أي سياسة عمرانية وسكنية لأنه كشف أن عملية السكن المُمنهجة والمُنفلتة أدت إلى تحمل ثلثي المصريين أعباء عالية جداً لتوفير المسكن لهم؛ وهي أعباء لا يمكن لأي مشروع إسكان أن يتحملها. فالمطلوب سياسة عمرانية وسكنية شاملة تعمل على إنهاء التسليع، وخفض الفجوة الكبرى بين أسعار السكن والدخول». مضيفاً: «المؤشر أعطانا أيضاً أول خريطة قومية للحيازة غير الآمنة، والتي توضح نسبة السكن غير الرسمي بكل محافظة».
وهنا لا بد من التوقف عند بعد الأرقام التي توصّل إليها المؤشر. فظهر أن 70.2 % من الأسر المصرية ليست لديها حيازة آمنة، و54.3 % من الأسر المصرية غير قادرة على شراء أو تأجير مسكن بدون دعم مالي. وشّكلت خدمات الصرف الصحي المشكلة الأكبر التي يعاني منها المصريون إذ إن 52.6 % من الأسر المصرية لا تحصل عليها في حين جاء المعدل القومي للأسر التي لا تحصل على مياه صالحة للشرب بـ 16.6 % من الأسر المصرية، بينما يعيش 7.7 % من الأسر في مساكن شديدة التزاحم و3.2 % من الأسر يعيشون في مساكن غير آمنة.
كما كشف المؤشر أن صعيد مصر هو أكثر الأقاليم بحاجة الى تنمية، إذ تراوحت نسب الأسر التي تعيش في عمران هامشي بين ما يقرب من 37.4 % في الأقصر، إلى 51.3% في قنا، والتي تعد أكثر المحافظات بحاجة إلى تنمية في مصر.
كثيرة إذاً هي المشاكل المتعلقة بالتخطيط العمراني والعدالة الاجتماعية ومتعددة هي الخطوات والسياسات المطلوبة من أجل إيجاد حلول مستدامة لها. «عشرة طوبة» تسعى من خلال دراساتها وعملها الميداني إلى المساعدة في حلّها. حتى أنها لم تتردد في إطلاق موقع «مرصد العمران» وهو بوابة للمعرفة المفتوحة عن تخطيط وإدارة العمران والإسكان والخدمات في مصر. ويهدف المرصد إلى دعم الباحثين والمجتمع المدني والمؤسسات التنموية وكل من يُعنى بالعدالة العمرانية بفضل التحاليل والتوصيات للسياسات العامة إضافة إلى نشرات معلوماتية ومقالات وأرشيف مهم.
ولكن، على الرغم من كل هذه الجهود، يطلعنا شوكت: «نحن بدأنا العمل منذ ثلاث سنوات فقط، وأغلب العمل كان خاص بالدراسات التي نأمل أن ترفع الوعي بالقضايا العمرانية المختلفة سواء من خلال تحديد مناطق معينة أنها محرومة، أو بتوفير طرق بديلة وأكثر كفاءة في التعامل معها. هناك من المسؤولين والأكاديميين والمخططين الذين سيستفيدون من عملنا وسيقومون بتطبيقه. ولكن، ستمضي سنوات عدة قبل ظهور تغيير حقيقي».
متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية