مسقط – محمد البيباني
رغم كل التصعيد، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لتجنب قرار الحرب بقدر الإمكان نظراً لتداعياته وآثاره الكارثية المعلومة لدى الجميع، الأمر الذي يعد مصدر قوة بيونج يانج والنابع من قدرتها على الردع مما يجعلها في مأمن من الضربات الأمريكية.
هل يستطيع ترامب تحقيق المكاسب في هذا الملف دون أن يدفع وحلفاؤه ثمناً مكلفاً لهذه المكاسب؟
وهذا التساؤل يقودنا بدوره إلى تساؤل آخر: هل يملك ترامب وفريقه وحلفاؤه خيارات أخرى- غير الحرب- فعالة لكبح الجماح الشمالي؟
سؤال إجابته قد تساعد في تفسير ما يحدث الآن على صعيد الأزمة في شبه الجزيرة الكورية وقد تساهم في تصور سيناريوهاتها المستقبلية.
حافة الهاوية
التصعيد المتبادل راهناً يبدو أن طرفيه يدركان أنه لن يكون في الغالب مقدمة لإشعال فتيل حرب لا ترغب الأطراف جميعاً فيها، ولكنه تصعيد تكتيكي من كلا الجانبين.
الجانب الأمريكي يسعى إلى دفع كوريا الشمالية إلى إعادة حساباتها وتجنيب شعبها الانتقام الأمريكي وكوريا تسعى إلى أن لا تكون لقمة سائغة وأي تهور أمريكي سيعقبه انتقام كوري.
وفي هذا السياق صعّدت وزارة الخارجية الكورية الشمالية من لهجتها ضد الولايات المتحدة، مهددة بأنها سترد «على الحرب الشاملة بحرب شاملة، وعلى الحرب النووية بضربات نووية».
وأكد بيان للخارجية الكورية- بحسب وكالة الأنباء الروسية سبوتنيك- أن بيونج يانج «قوة نووية عظمى قادرة على مقاومة الولايات المتحدة»، رداً على إرسال الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من السفن الحربية، وحاملة الطائرات كارل فينسن إلى شبه الجزيرة الكورية، وأعلن البيان أن كوريا الشمالية «تتابع بانتباه مناورات البحرية الأمريكية، وجاهزة للرد بشكل فوري على أي استفزاز»، مذكراً أن «واشنطن تقوم بتوجيه تهديدات إلى كوريا الشمالية بشكل يومي».
لغة متعقلة
نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قال، إنه ما زال من الممكن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية سلمياً بفضل انخراط واشنطن الجديد مع بكين وذلك رغم المخاوف المتنامية من إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية جديدة قريباً.
جاء هذا بعد تعهد ترامب بمنع كوريا الشمالية من ضرب الولايات المتحدة بصاروخ نووي، لكن نائبه بنس قال في سيدني إنه ما زال من الممكن تحقيق حل سلمي بسبب تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
وقال بنس: «نرى بحق أنه إذا ما مارست الصين وحلفاؤنا بالمنطقة هذا الضغط فإن هناك فرصة لتحقيق الهدف التاريخي بجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي بالطرق السلمية».
الدبلوماسية
وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، وليام بيري، يرى أن الأوان ليس أوان حرب بعد، داعياً إلى أن تأخذ الدبلوماسية مجراها.
ويروي بيري، في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، حادثتين شهدهما، تدفعانه إلى قول ما قاله. ففي العام 1994، حين كان وزيراً للدفاع في إدارة كلينتون، اتخذ القرار بضرب مفاعل يونجبيون الكوري الشمالي لمنع بوينج يانج من تخصيب البوتونيوم الذي تستخدمه في بناء سلاحها النووي. كان الأمريكيون جادين في ذلك، وأدرك الكوريون الشماليون ذلك، فأدت الدبلوماسية القاسية إلى توقيع اتفاقية توقفت بموجبها كوريا الشمالية عن بناء سلاحها النووي بشكل كامل.
وأثناء ولاية كلينتون الثانية، كان بيري قد غادر البنتاجون، لكنه قاد الجهود الدبلوماسية لوضع حد تام ونهائي لبرنامج كوريا الشمالية النووي، بمشاركة كوريا الجنوبية واليابان، فأثمرت اتفاقاً يقضي بتطبيع العلاقات الدولية مع كوريا الشمالية مقابل وقفها برنامجها للتسلح النووي.
ماذا تريد كوريا؟
ما الذي يضمن نجاح الجهود الدبلوماسية اليوم فيما كانت غير فاعلة في أثناء 16 عاماً مضت؟
يقول بيري: «استندت استراتيجيتنا التفاوضية في السابق إلى محفزات اقتصادية نعرضها أو نوقفها، وهذه الاستراتيجية لم تنفع، فبينما تريد القيادة الكورية الشمالية إنعاش اقتصادها المتهافت، يرتبط هذا الهدف دائماً بدعم قيادة كيم جونج اون، علماً أن هذه القيادة على يقين أنها ستبقى قوية بقدراتها النووية. هذا صحيح، لكن إذا لم تستخدمها فحسب».
هذا الإدراك، بحسب بيري، يؤدي إلى صوغ استراتيجية تفاوضية جديدة، تتيح لكوريا الشمالية أن ترى طريقة للحياة غير الاحتماء الدائم برؤوسها النووية، كالسعي إلى تقوية الاقتصاد من خلال طريقين: الأول، التعاون الممكن والكامل مع الصين، من خلال شراكة بلا تفرد؛ لأن الصين هو البلد الوحيد القادر على تهديد الاقتصاد الكوري الشمالي بوقف إمداد الغذاء والنفط عنه.
مخاطر العمل العسكري
ويختم بيري: «إن البديل عن الدبلوماسية هو العمل العسكري، من دون أي شك، والولايات المتحدة قادرة على ضرب المنشآت العسكرية في كوريا الشمالية تماماً كما ضربنا القاعدة العسكرية في سوريا، إلا أن التداعيات ستكون أكبر وأخطر. فأظن أن ردة الفعل الكورية الشمالية ستستهدف كوريا الجنوبية، فتشتعل الحرب وتتسع. ربما علينا أن نستخدم القوة ضد بيونج يانج في لحظة ما، لكن ليس الآن، والسؤال: هل سنتمكن من انتهاز هذه الفرصة؟ فربما تكون الأخيرة».
وينبه بيري- وهو ذو الرأي المسموع في أروقة الإدارة الأمريكية كما في الأوساط الأمريكية العامة- إلى أن الخطر الفعلي يكمن في جرّ كوريا الشمالية جارتها كوريا الجنوبية إلى الرد، «ما يوسع الأزمة إلى حرب تقليدية واسعة النطاق، تتورط فيها الولايات المتحدة، خصوصاً أن 30 ألف جندي أمريكي موجودون في كوريا الجنوبية. ستخسر كوريا الشمالية هذه الحرب، لكن حين ترى القيادة في بيونج يانج دولتها تنهار، ستلجأ للخيار النووي في ضربة النفس الأخير، فيحصل «الأرماجيدون» الكوري. على جهودنا الدبلوماسية أن تمنع هذه الكارثة من الحصول، بأي ثمن».