الإرهاب يدفع الألمان نحو حيازة الأسلحة

الحدث السبت ١٣/فبراير/٢٠١٦ ٠٥:٤٤ ص

برلين –
ظهرت البيانات الرسمية تزايدا ملحوظا على استصدار تصاريح حيازة الأسلحة غير القاتلة في ألمانيا، مثل مسدسات الصوت ورشاش الفلفل، خلال الفترة الفائتة. وجاء في رد وزارة الداخلية الألمانية على طلب إحاطة من النائبة البرلمانية عن حزب الخضر إيرينه مياليك أن عدد تصاريح حيازة الأسلحة غير القاتلة ارتفع بمقدار يزيد على 21 ألف تصريح خلال الفترة من نوفمبر حتى نهاية يناير الفائت. وأوضحت الوزارة في الرد على نسخة منه أن إجمالي عدد تصاريح حيازة الأسلحة غير القاتلة المخزنة في السجل القومي لحيازة السلاح بلغ نحو 301 ألف تصريح بنهاية الشهر الفائت.

هدايا عيد الميلاد

شهدت ألمانيا، مع حلول أعياد الميلاد، إقبالاً واضحًا على شراء الأسلحة وتقديمها كهدية عيد ميلاد. وقال إنغو ماينهارد، رئيس اتحاد بائعي الأسلحة، إن مبيعات السلاح هذا العام تضاعفت في ألمانيا. ذكر ماينهارد أنه توصل إلى هذه النتيجة من خلال استفتاء للرأي أجراه مع 1100 بائع سلاح. و وضع تاجر السلاح الخوف من الإرهاب على قمة قائمة الأسباب التي تكمن وراء هذا النزوع الخطر، ثم أضاف ظاهرة تصاعد أعمال العنف والسرقات والاغتصاب.
وتؤكد وزارة الداخلية في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا (نحو 20 مليونًا) أن طلبات حيازة السلاح تضاعفت أيضا، وهناك سيل من الطلبات على المسدسات والأسلحة الصغيرة. ارتفع عدد إجازات السلاح المسجلة في مدينة كولون من 2710 قبل عشر سنوات إلى 4787 في هذا العام. وهناك في بون، بحسب معطيات فرانك بيونتيك من شرطة بون، اليوم 2242 إجازة سلاح صغير، رغم أن تعداد بون لا يتعدى 270 ألفًا. وإذ تحبذ النساء الدفاع عن النفس باستخدام أجهزة الصعق الكهربائي والرشاشات المسيلة للدموع، يفضل الرجال الأسلحة الصغيرة ومسدسات الصوت لتطمين مخاوفهم. علمًا أن أسعار مثل هذه المسدسات تتراوح حول 150 يورو، وتتطلب إجازة صغيرة من الشرطة. والظاهر أن إهداء الأسلحة البيضاء، والأسلحة التي لا تحتاج إلى إجازة، ثبت نفسه كظاهرة إلى جانب إهداء الـ«سمارت فون» وإهداء عمليات التجميل في أعياد الميلاد. ويقول ماينهارد إن رشاشات الفلفل، ورشاشات المواد المسيلة للدموع، وأجهزة الصعق الكهربائي نفدت من الأسواق، ولكن الطلب عليها مستمر.

إقبال متزايد

تشهد محلات بيع السلاح في ألمانيا إقبالا متزايدا من المواطنين، وهو ما قد يعكس «الشعور بعدم الأمان»، كما يقول أحد أصحاب محلات بيع السلاح في ولاية شمال الراين ويستفاليا. ويوضح التاجر بأنه «لو كان الناس يشعرون بالأمان فعلا، لما جاؤوا لشراء هذه الأسلحة». ومثل العديد من زملائه يشهد هذا التاجر إقبالا على الشراء فاق المتوسط بثلاثة أضعاف، خاصة على مستلزمات الدفاع عن النفس مثل غاز الفلفل وغيرها. حيث إن الاعتداءات على النساء في ليلة رأس السنة الجديدة في كولونيا، كثفت المخاوف في ألمانيا من اللاجئين، ما تسبب في زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة وفق بيانات جمعية تجار السلاح في ألمانيا.
في ألمانيا تعتبر القوانين صارمة جداً فيما يخص حيازة الأسلحة، حيث لا يسمح بذلك إلا في ظل ظروف معينة. إلا أنه وبوجود ما يسمى «ترخيص الأسلحة الصغيرة»، فإن المسدسات الصوتية على سبيل المثال تعتبر مسموحة، وهي تلقى رواجا كبيرا. وتبلغ تكلفة تقديم طلب للحصول على رخصة بين 50 إلى 60 يورو فقط، ولا يشترط تقديم أية مبررات لاقتناء سلاح، كما أنه من المسموح حمله خارج المنزل، كما أن التقدم للحصول على هذا السلاح لا يتطلب أية مهارات سابقة بعكس تراخيص الصيد ورياضية الأسلحة مثلا. الشرط الوحيد هو أن يكون مقدم الطلب قد تعدى السن القانونية أي بلغ 18 عاما.

الإنترنت

ووفقا لخبير وسائل الإعلام الاجتماعي فيليكس بايهارتس، فإن إجراءات البحث عن الأسلحة تبدأ من الإنترنت، ويقول بايهارتس إن هناك زيادة كبيرة قدرها «ألف بالمئة فيما يتعلق بالبحث عن الأسلحة في الإنترنت»، وهذا الأمر منذ بداية يناير من هذا العام فقط. مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وغيره ساهمت في التطرف والذعر، لأن عمليات البحث والإظهار فيها تقوم على مبدأ تقديم ما يهم المستخدم، وما يعزز رأيه. وهذا يمكن أن يؤدي إلى «موجة من الذعر والإقبال يشكل أكبر على شراء الأسلحة»، وفقا لأقوال بايهارتس. الاستفادة من مشاعر الخوف والقلق لدى لدى الألمان تعدت بائعي الأسلحة لتشمل أيضا مقدمي دورات الدفاع عن النفس وغيرهم. حيث العديد من هذه الدورات محجوزة لأسابيع بالكامل، وهو ما لم يكن عليه الحال في السنوات السابقة.

قلق أمني

وتفضل الشرطة من جهتها الانتظار قبل أن تحكم على هذا التصاعد في آراء المواطنين الألمان، والذين يبدون عدم ثقتهم بالسلطات الحكومية. ويقول راينر فاندت من نقابة الشرطة الألمانية «بطبيعة الحال، نحن قلقون من الأرقام الكبيرة التي ترد إلينا، ولكن من ناحية أخرى فإن أعداد مقدمي الطلبات للتسلح بأسلحة خفيفة لم يتعدّ 0.2 بالمئة من المواطنين في برلين».
ويقول فاندت بأن الشرطة لن تتدخل في مسألة تشديد الإجراءات بالنسبة لتسلح المواطنين. فهو شيء مسموح به قانونيا، كما أن تشديد القوانين طريقة خاطئة، بحسب فاندت، والأفضل هو الشرح المستفيض للناس عن طبيعة هذا السلاح، وترك الخيار للمواطنين. إلا أن العديد من دوائر الشرطة، تحذر أيضا من المسدسات الصوتية، فهي تبدوا وكأنها حقيقية، وقد تثير بشكلها استفزاز الآخرين، وقد تسهم في تصاعد المشكلة، وهو ما لا ينصح به من أجل سلامة المواطنين.

تشديد المراقبة

في مارس 2009 وعقب مجزرة فينندن في جنوب ألمانيا طالبت المستشارة الألمانية ميركل بتشديد القوانين الخاصة بحيازة الأسلحة، معلنة عن عزمها بحث سبل تقييد حرية الوصول إلى ألعاب الفيديو القتالية لدى فئة الشباب والمراهقين.
يذكر أن مجزرة فينندن في جنوب ألمانيا كانت والتي تسبّب فيها مراهق ألماني قتل 15 شخصا رميا بالرصاص قبل أن ينتحر، قد أثارت جدلا سياسيا حول تشديد قوانين حيازة الأسلحة في ألمانيا. وفي السياق نفسه أعربت المستشارة عن استنكارها للحادثة وعن أسفها الشديد عن مقتل ضحايا أبرياء. وطالبت بضرورة توخّي الحذر وتشديد المراقبة على الأسلحة والذخيرة للتأكّد من أن أصحابها يحرصون على حفظها وفقا للقوانين، ذلك أن المراهق الألماني كان ارتكب المجزرة بمسدّس اختلسه من والده. وقالت المستشارة إن «الخبراء سيبحثون كيفية مراقبة تطبيق القواعد الخاصة بتخزين الذخيرة بشكل أفضل من خلال إمكانية للقيام بعمليات تفتيش من دون إشعار سابق حتى يُلزموا أصحاب السّلاح باحترام القوانين». على صعيد آخر أشارت ميركل إلى أنها تعتزم بحث سبل تقييد حريّة الوصول إلى ألعاب الفيديو العنيفة، وذلك لأنّه قد قيل عن المراهق الألماني، الذي تسبب في مجزرة فينندن، بأنّه كان منعزلا ومولعا بألعاب الفيديو القتالية. ولفتت المستشارة إلى أن «الدّرس من هذه الحادثة هو ضرورة تيقظ الآباء والمدرّسين لظاهرة العنف لدى المراهقين والشباب» مشدّدة على «بذل كلّ الجهود بهدف منع الأسلحة عن متناول الأطفال والحيلولة دون مشاهدتهم الكثير من العنف». الشارع الألماني يرى ضرورة تشديد المراقبة على حيازة الأسلحة، فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «بيلد أم زونتاغ« الألمانية أن 78 بالمائة من الألمان يؤيّدون فرض حظر على الاحتفاظ بالأسلحة النّارية في المنازل.وأعرب 72 بالمائة من المستطلعين عن اعتقادهم بتأثّر الشباب والمراهقين أكثر من قبل بألعاب الفيديو القتالية وبأفلام الرّعب. في حين رفض نصف الشباب، الذين يقلّ عمرهن عن سنّ الثلاثين، بأن يكون لأفلام الرّعب أو لألعاب الفيديو القتالية تأثيرا سلبيا على نفسيّة الشباب والمراهقين.