خورخي كاستانيدا
خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ذهب آلاف من الشباب الأمريكيين إلى إسبانيا للانضمام إلى الكفاح ضد الفاشية كجزء من «لواء إبراهام لينكولن» واليوم، مع انتباه أعداد أكبر من الناس إلى التهديد الذي يمثله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سيادة القانون، وحقوق الإنسان والنظام الدولي ظهرت حركة مقاومة عالمية جديدة للدفاع عن الديمقراطية والمبادئ الأخلاقية الأصيلة.
ويمكن أن تتبنى المقاومة ثلاثة تكتيكات: أحدها ببساطة منهج الانتظار على أمل أن يصبح ترامب كالبطة العرجاء بعد افتضاح مساوئ إدارته والأفضل من ذلك إقالته من منصبه بموجب التعديل الخامس والعشرين لدستور الولايات المتحدة إن اعتقد عدد كاف من حكومته أنه غير قادر على أداء واجباته الرئاسية.
والتكتيك الثاني الأقل تفاؤلاً مفاده أن ترامب سوف يكمل مدته الأولى وأن يتم استغلال ذلك الوقت في إقامة تحالفات أقوى مع الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام ومجموعات المجتمع المدني وجميع منافسي ترامب الآخرين في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الدينية والاتحادات النقابية.
والخيار الثالث هو تعطيل برنامج عمل ترامب في المحاكم من خلال رفع دعاوى لمواجهة حظر السفر الذي وضعه والجدار الحدودي مع المكسيك وترحيل الناس والمقترحات لإيقاف التمويل عن الأمم المتحدة وبرامج المعونات الأجنبية في أفريقيا.
وكما لاحظ جيفري د ساكس فإن هناك ما يبرر الاعتقاد أن ترامب لن يستمر بعد الفضيحة الحالية حول ارتباط حملته الانتخابية بروسيا والأسئلة المثيرة للقلق تتعدى قرصنة العملاء الروس على خوادم اللجنة الوطنية الديمقراطية لتسريب رسائل البريد الإلكترونية الداخلية من حملة هيلاري كلينتون، إذ يتعجب الكثيرون من الروابط بين ترامب والأوليغارشية الروسية، ولماذا مددت البنوك المرتبطة بالروس قروض ترامب عندما لم يكن هناك أي بنك يفعل ذلك.
وفضلاً عن ذلك، يتعجب الكثيرون إن كان لدى المخابرات الروسية إثبات يمكن لها أن تبتز ترامب به، أو ما إذا كان الجواسيس الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون أو من دول البلطيق قد سربوا المواد التي تؤكد هذه الشكوك. إن من الممكن أن ترامب مصاب بجنون الشك والارتياب ولكن لديه الحق في أن يشعر بالقلق من أن مجتمع المخابرات الأمريكي يعتقد أنه غير مناسب لشغل دور القائد العام، وأن وسائل الإعلام الأمريكية سوف تنشر كل تسريب ينطوي على المصداقية.
ومع انخفاض شعبية ترامب، سوف يسارع الجمهوريون في الشعور بالخوف على مقاعد الكونجرس التي تخصهم في العام 2018 وإذا ظهرت أدلة لا جدال فيها على حدوث مخالفات خطيرة، يمكن أن يبدأ الجمهوريون من الأعضاء في الكونجرس أو حتى أعضاء في السلطة التنفيذية بإجراءات ضد الرئيس.
وفي نفس الوقت، بدأ الديمقراطيون الأعضاء في الكونجرس بالفعل هجوما شاملا على مبادرات ترامب مثل الجدار الحدودي والتخفيض المقترح في ميزانية الخارجية وعلى مستوى الولايات، رفع المحافظون الديمقراطيون الدعاوى القانونية لتحدي الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب بشأن الهجرة، وأعاد الكثيرون من رؤساء البلديات من الديمقراطيين التأكيد على وضع مدنهم كملاذ وملجأ للمهاجرين الذين لا يحملون أوراقا رسمية.
والديمقراطيون متحفزون ليس لأنهم يكرهون ترامب ويعارضون سياساته فحسب، ولكن أيضا لأنهم يتعرضون للضغوط من جانب الناخبين -الديمقراطيون والجمهوريون يتشابهون في ذلك- الذين يحضرون اجتماعات مع السياسيين ويتصلون بمكاتب الكونجرس وكما أوضحت المظاهرات الجماهيرية وأحدث استطلاعات الرأي فإن أغلبية الأمريكيين الذين لم يدعموا ترامب قد يصوتون للديمقراطيين في العام 2018 وفي الوقت نفسه فإنهم يدعون للتحدي وليس لعمل المساومات أو التنازلات.
وتؤدي منظمات المجتمع المدني الأمريكية دورا مركزيا في المعارضة، ولقد شاركت أعداد كبيرة من الأشخاص في مسيرة المرأة في واشنطن بعد يوم من تنصيب ترامب أكثر من الذين حضروا التنصيب نفسه وزادت التبرعات لمجموعات مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية الذي قاد الهجوم المضاد للأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب وبلغ أولئك الذين يتكلمون ضد تصرفات إدارة ترامب 500 رئيس جامعة والعديد من المنظمات الدينية ليس أقلها الكنيسة الكاثوليكية.
ومع تزايد أعداد مجموعات الضغط التي تحشد من أجل تحدي سياسات ترامب، قد نشهد أكبر انفجار في النشاط السياسي منذ أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان الحروب في أمريكا الوسطى في الثمانينيات وهذه المجموعات هي حلفاء طبيعيين لضحايا ترامب في الخارج ويتعاطف الكثير منها مع المهاجرين واللاجئين، كما تدعم حقوق الإنسان وغيرها من القضايا التقدمية، سواء كان هذا يعني الكفاح ضد الجدار الحدودي الذي يريد ترامب أن يبنيه أو الدفاع عن اتفاقية المناخ المبرمة في باريس أو الانضمام لكندا وألمانيا في استقبال اللاجئين من سوريا.
وبالطبع، فإن المعارضين العنيدين لترامب أقلية في الكونجرس وأغلب الهيئات التشريعية للولايات، ولكن هذا يمكن أن يتغير بسهولة. وحتى قبل أن يتغير، فإن الأقليات السياسية لديها العديد من الأدوات لقطع الطريق على الأغلبية المسيئة وينطبق هذا حتى على الحكومات الأجنبية، والشركات والأفراد والذين من الممكن في بعض الحالات أن يكون لهم مواقف في المحاكم الأمريكية لتحدي سياسات الإدارة الأمريكية التي تؤثر عليهم، وحتى لو امتنعوا عن ذلك، فإن المجموعات المحلية قد تكون قادرة على أن تتحرك نيابة عنهم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن من الممكن أن تنتهك إدارة ترامب في نهاية المطاف واحدة من العديد من الاتفاقيات الدولية وعندها يمكن للحكومات الأخرى أن ترفع الدعاوى القانونية ضدها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ورغم أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش قد فرض قيودا على مدى التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأحكام محكمة العدل الدولية فإن مثل تلك القضايا يمكن أن تزيد الضغوط التي تشعر بها إدارة ترامب بالفعل.
وفي الولايات المتحدة، هناك العديد من المحامين المستعدين بأن يعملوا بدون أجر لمعارضة دستورية الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب، أو مقاضاة الحكومة الفيدرالية عن المخالفات المدنية والدينية أو تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والكثير من هذه القضايا سوف تواجه العقبات إن وصلت إلى المحكمة العليا والتي سوف تضم قريبا أغلبية محافظة جديدة ومع ذلك فإن تراكم هذه القضايا مع القضايا المدنية المرفوعة بشأن سلوكيات ترامب بصفته رجل أعمال ومرشح ستؤدي إلى تآكل شرعية ترامب بشكل مطرد.
وأفضل استراتيجية للمقاومة هي تلك التي ستجمع المقاربات الثلاث المبينة في هذه المقال: الانتظار، والبحث عن الأصدقاء، ورفع الدعاوى القانونية، وإذا انهارت رئاسة ترامب بالفعل، فإن المعارضة عليها أن تتحرك على وجه السرعة ويبدو أن السعي لتحقيق إستراتيجية شاملة في الوقت الحاضر هو أفضل الاستعدادات.
وزير خارجية المكسيك الأسبق (2000-2003)، وأستاذ متميز عالمياً للعلوم السياسية ودراسات أمريكا اللاتينية بجامعة نيويورك