محمد بن سيف الرحبي
قبل أيام وصلني ظرفان على قدر من الهيبة والوقار.. حتى إن الورق المستخدم فيهما بلغ من الرقي ما جعل من الصعب عليّ رميه في سلة المهملات، كأنه جزء من الهدية المرسلة إليّ، والتي لا تخرج عن شيئين: مجلة أو كتاب!
فتحت الظرف الأول، وجدت مجلة محسوبة على جهة حكومية، وشعرت بهيبتها من رقي الطباعة، وما استخدم فيها، وما صرف عليها!
أما الظرف الآخر فكان ضخما وثقيلا، كأنما ضم في بطنه هدية من النوع الفضي الثقيل أو زجاجة عطر عابقة بكل ما هو آسر مما غلا ثمنه من أنواع، وقلت إن الأمر اعتيادي حيث صادف عيد ميلادي، لولا أنني رأيت الاسم الرسمي حاضرا وبهيا على أعلاه.
وجدت بداخل الظرف كتابا يرصد مسيرة جهة تابعة للحكومة أيضا.. أما المستوى الطباعي فما أرقاه، وما أغلاه، ولا حاجة للسؤال عن المحتوى، فهذا قصة أخرى لا يمكن القفز على عناصرها، حيث البطل معروف، والكومبارس أيضا، عدا عنصري الزمان والمكان، فهما يسيران على إيقاع ما يريده البطل.
المجلة، واحدة من مجلات عديدة تصدرها الوزارات والمؤسسات الحكومية، حيث إن الميزانية تسمح بذلك، بينما اللافت أن مؤسسات الدولة المتخصصة المفترض إصدارها لمطبوعات كهذه لها ثقلها لا توجد لديها مجلات، وزارة الإعلام (مجلة إعلامية) ووزارة التراث والثقافة (مجلة ثقافية) والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون (مجلة فنية) عدا أن جامعة السلطان قابوس تستحق مجلات إبداعية أكثر مما تقدمه حاليا من مطبوعات أقرب إلى نشرات.
تقرأ المجلة (الوزارية) فلا تجد أكثر من صور معاليه واستقبالاته ورعايته للمناسبات، وصولا إلى أخبار سعادته، مرورا بمواد صحفية تنقصها المهنية، وليست إلا توثيقا رسميا، بحيث لا ترغب إلا بالتخلص الفوري من المجلة، مستكثرا عليها تلك الطباعة الجميلة، والورق الفاخر، والجهد المبذول، أما إذا قيّمت المطبوعة من الناحية الفنية (الإخراج الصحفي) فعليك أن تتمسك بمزيد من الصبر، وإلا اتصلت فورا بمن أرسلها إليك، ليكفّ عن رفع ضغطك بمستويات كهذه يراد أن تكون وجها لجهة حكومية، فإذا بها ليست إلا «علاقات عامة» من أجل عيون «كبار المسؤولين» فيها، وربما الجهات التي ستقول إنه «جهد طيب»، ويضاف إلى التقرير الإعلامي السنوي، كمنجز «له صدى واسع وكبير»، والكلام.. كثير!
أما الكتاب الراصد لمسيرة «الجهة» فهذا أشكل عليّ فهمه، فكم من الآلاف التي تكلفها طباعيا، وهو ليس إلا ألبوم صور متشابهة، وأي مكتبة ستتسع لكتاب بهذا الحجم، بينما طباعته تكفي لدعم عشرة إصدارات أدبية محلية، تستحق الإقامة على أرفف مكتباتنا ولا تجد من يقف معها حتى الوزارة المعنية بدعمها.
قد يكون من المستحسن ليس إلغاء هذه الإصدارات، أو تقنينها، بل النظر في دوائر الإعلام داخل الوزارات التي باتت الحاجب المانع للصحفيين لاستقاء المعلومة من مصدرها، والاكتفاء بما تريده هذه الدوائر من «تبجيل» و»تعظيم» لدور الوزارات، حيث نشر الأخبار مهم وسهل، وقادر على ملء صفحات صحفنا.