على بن راشد المطاعني
إذا أردنا أن نطور العمل في الوحدات الحكومية وغيرها، وأن نواكب التطور الذي تشهده الإدارة الحديثة في العالم، وأن نلبي حاجة المجتمع المتعطش للتطوير والتحديث على مدار الساعة، فلابد وكأمر حتمي من اعتماد معايير الكفاءة لاختيار المسؤولين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية الإدارية والمهنية، وإن لم يتحقق ذلك فما من شك بأننا، في الواقع، نخدع أنفسنا ونمضي للسراب بخطوات حثيثة باعتباره ماء، فلا نحن أدركنا الماء ولا نحن لامسنا السراب.
اليوم، ليس هناك وقت أصلا للمزيد من المجاملات على حساب بناء منظومة متماسكة لمعنى التوظيف والوظيفة، تفضي في النهاية لتحقيق أقصى درجات السمو المهني كفاءة وإنجازا وفاعلية، وبذلك يمكننا القول إننا نمضي في الاتجاه الصحيح فعلا، فالسباق الكوني في مضمار التقدم يتمحور في هذه النقطة تحديدا، ثم إننا لن نحقق شيئا إن لم نحسن اختيار الكفاءات على أسس علمية واضحة معالمها يضع نقاطها أصحاب الاختصاص العلمي وحدهم في هذا المجال.
فليست الوجاهات أو الزمالة أو القبيلة أو العوائل تسعفنا في تسيير الأعمال الحكومية في البلاد، إذ هي جميعها لا حول لها ولا قوة في هذا المضمار إن لم تقترن بالكفاءة أولا وثانيا وثالثا، والكفاءة المعنى والكفاءة المغزى هي التي توعز لمن يملكها لتجاوز ما هو مطلوب لإنجاز العمل ببساطة متناهية وبسرعة فائقة وبدقة لا شائبة فيها بعكس الذين لا يملكونها.
هذه المعايير ذات أهمية في اختيار موظفي العمل الإداري في الدولة، وهم في بداية مشوارهم العملي يحتاجون فضلا عما حباهم الله به للثقة من جانبنا، عندها فإنهم سيحققون الإبداع كاملا في العمل.
مر التوظيف في الدولة أو اختيار المسؤولين بمراحل عديدة كان لكل مرحلة اعتباراتها المعروفة ومتطلباتها في استيعاب فئات المجتمع العُماني ولملمة كل شرائحه بطرق التهدئة تارة، والسكوت تارة أخرى، والجذب مرات، وشهدت الفترات الفائتة مخاضات عسيرة ومعقدة، ولا تزال الرحى في دورانها، هنا نقول إن كل ذلك ينبغي أن يتوقف وإلى الأبد، وباعتبار ما يحدث هو فيض من الأمراض الاجتماعية عصية العلاج، وفي سبيل إيجاد الترياق المضاد لابد من انتهاج فلسفة تنتهي عندها هذه الممارسات التي تفتقر أصلا لعناصر القوة والبقاء في ظل المجتمع المدني وفي إطار دولة المؤسسات والقانون، وليست هناك مسوغات بعد الآن تدعو للقبول بهذه الآهات في العمل الحكومي إجمالا.
لا ننكر أن التوظيف في المستويات العامة شهد تطورات مهمة عززت الشفافية والعدالة بين الخريجين والخريجات على أسس علمية قوية أتاحت للجميع التنافس على الفرص المتوفرة، وذلك ما ترجمته وزارة الخدمة المدنية التي نشهد لها بالنزاهة في هذا الشأن والجميع يؤكد على واقعية هذا الحدث من خلال ما تبذله من جهود تترفع من خلالها عن كل ما يشين هذا الجانب.
إلا أن هناك من لا يتبع نفس النمط وذات النهج في تعيين المسؤولين في المستويات الإدارية والفنية المختلفة، ولا زالت ذات الأخطاء تقع في اختيار الكفاءات الوظيفية على أسس المحسوبية والمجاملات والشللية ومن خلال ذلك تتاح فرص وظيفية لمن لا يستحقها في حين لا يجد أصحاب الكفاءات حقهم في التوظيف ولهذا نشاهد موظفا مسؤولا يفتقر لأبجديات الأسس الإدارية والمالية، فهو ليس الرجل المناسب في المكان المناسب.
فاليوم بعض التوظيف لا يخرج عن نمط السبعينيات والثمانينيات وهو ما يتعين إخضاعه للمراجعة من قبل الجهات ذات الاختصاص كجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وغيره من الجهات التي يهمها توطيد دعائم الاستقرار في البلاد، وتحجب الكفاءات عن حقها المشروع في خدمة بلادها.
بالطبع هناك جهات تتبع في توظيف الكفاءات النظم الحديثة المفضية للوصول للأكفأ من المتقدمين، وتنشر إعلانات بوسائل الإعلام المختلفة كتأكيد على الالتزام بمبدأ الشفافية لكن البعض لا يزال يصر على نهجه القديم ويرفض التخلي عن طريق الأشواك القديمة وهنا تكمن المأساة.
نأمل أن لا نحول الجهات والشركات إلى عزب أو قبائل أو مصالح إذا أردنا أن نحدث نهضة حقيقية في البلاد تفضي إلى نهضة موازية في كل نواحي الحياة، فقط إن نحن اعتمدنا الكفاءة كأساس في التوظيف من أدنى المستويات إلى أرفعها.