محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com
لا شك أن البنك المركزي العماني حقق منذ إنشائه في العقود الأربعة الفائتة نجاحات متميزة بفضل الإدارة الرشيدة للسياسات النقدية بصفته المؤسسة المسؤولة عن مراقبة وتوجيه النظام المصرفي في تأدية مهمته الاقتصادية، وفي توفير الائتمان لمؤسسات الإنتاج المختلفة أو الأفراد وتوظيف رأس المال لتنشيط الإنتاج ونشر ثقافة الادخار، إلى جانب توفير الغطاء المناسب للعملة النقدية المحلية، بما حقق الاستقرار النقدي والمالي الذي أسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية.
وبنظرة إلى مسيرة البنك المركزي العماني في العقود الأربعة الفائتة رغم قصرها -مقارنة ببنوك أخرى أطول عمراً وفي دول أكبر لم تتمكن من المحافظة على قيمة عملتها المحلية التي انهارت في مواجهة الدولار- نجد أن المسؤولين عنه نجحوا في تحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية، من خلال إدارته وسيطرته على القطاع المصرفي باعتباره بنك البنوك، والأداة الرئيسية في الدولة لتحديد وإدارة السياسة النقدية التي أسهمت في تحقيق التوازن المطلوب وتلبية الأهداف الاقتصادية التي تتطلع لها الخطط التنموية المتتالية، خاصة أن البنك المركزي أحكم الرقابة على أعمال البنوك حول خدمات الإقراض واستثمار الأموال بطريقة لا تضر بأموال المودعين وضمان السياسات التي تتبع إجراءات التحوّط والحذر.
إلى جانب تحقيق الاستقرار النقدي من خلال تخفيض معدلات التضخم إلى أدنى مستوى له للحفاظ على القوة الشرائية للريال، إذ أدى ذلك إلى السيطرة على سلبيات الأزمة المالية العالمية، التي حلّت بالعالم في العام 2008، بعد أن حافظ البنك على معدلات السيولة وزيادة المعروض النقدي.
وتتفادى بذلك دخول الاقتصاد في حالة انكماش أو ركود، في ظل المحافظة على أسعار فائدة منخفضة ساعدت على زيادة حجم الاقتراض والمعروض النقدي في السوق، مما نتج عنه ارتفاع حجم الطلب على القروض الاستثمارية، التي تحفز النمو الاقتصادي، وكذلك تشجيع البنوك المحلية لمنح الأولوية للقروض الإنتاجية، إلى جانب تنظيم الائتمان والإقراض وإدارة احتياطي العملات الأجنبية.
ولا شك أن هذه السياسات قد ساهمت بنجاح في تعزيز الأداء الاقتصادي للسلطنة، كما ساعدت على تجاوز التحديات المختلفة ومواجهة تباطؤ الأنشطة الاقتصادية وعجز الميزانية العامة للدولة والحساب الجاري في ميزان المدفوعات، خاصة أن البنك المركزي قد نحج تماما من خلال الإجراءات الاحترازية في تجنيب انكشافات المؤسسات المالية بالسلطنة على الأصول الخطرة، من خلال وضع نهج محافظ، وإعادة صياغة إدارة المخاطر، والتركيز على تجنب التعرض للمخاطر في الأسواق المالية الخارجية والتوجيه لمنح القروض للقطاعات الإنتاجية.
وقد ساعد هذا التحوط الشديد في تجنيب البنوك الآثار المباشرة لتداعيات الأزمة العالمية وتبعاتها، لأنها كانت عاملاً مهماً وقوياً في وقاية القطاع المالي والمصرفي في السلطنة، من التأثر بشكل مباشر بتداعيات الأزمة التي أصابت الكثير من الدول الصناعية والنامية على حد سواء.
ويأتي قرار مجلس محافظي البنك المركزي العُماني مؤخراً لرفع رأس مال البنك اعتباراً من شهر أبريل 2017 للتأكيد على مدى متانة الملاءة المالية للسلطنة بشكل عام وللبنك المركزي بشكل خاص، مما يعزز مركزه المالي باعتباره بنك البنوك والمسؤول عن الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية عند المستوى الملائم، وهذا يحقق الاستقرار في منحنى الأسعار بالشكل الذي يخدم النمو الاقتصادي، وزيادة سرعة وتيرة التنمية الاقتصادية بتوفير المناخ المناسب لتنفيذ مشاريع وبرامج وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم المساهمة في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي المناسبة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي ساعد الحكومة على مواجهة المشكلات الاقتصادية الطارئة، إلى جانب تحقق زيادة مناسبة في الدخل القومي ونمو الناتج المحلي، وانعكاسات ذلك على مستوى معيشة المواطنين، والمحافظة على قيمة أموالهم ومدخراتهم، في ظل ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة بل والتعقيد أيضاً، خاصة بعد التحولات والمتغيرات الدولية، بعد التراجع الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية بما ألحق الضرر باقتصاديات معظم الدول حتى الغنية بالنفط، والتي تمتلك احتياطات نقدية كبيرة.