دموع التماسيح

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
دموع التماسيح

د. فيصل القاسم
أخيراً اكتشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الصواريخ والبراميل تتساقط فوق رؤوس المدنيين والأطفال في طول سوريا وعرضها لتحولهم إلى أشلاء متناثرة. أخيراً اكتشف ترامب أن تلك البراميل الوحشــية تقطع أيدي الأطفال، وتفصل رؤوسهم عن أجسادهم، كما قال في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون فوكس نيوز الأمريكي.

لقد ذرف الرئيس ترامب في مقابلته آنفة الذكر دموعاً غزيرة على كارثة السوريين وآلامهم ومحنتهم، وكأنه لم يسمع بما يحدث في سوريا إلا قبل أيام فقط، وكأن الفاجعة السورية حديثة العهد، وأن المخابرات الأمريكية التي تراقب دبيب النمل في العالم من أقصاه إلى أقصاه لم تنتبه لما يحدث في سوريا، ولم تقدم تقاريرها للبيت الأبيض إلا قبل يومين أو ثلاثة فقط.
بصراحة ضحكت كثيراً وأنا أستمع للرئيس الأمريكي وهو يكيل الشتائم للمجرمين والقتلة، ويتباكى على أطفال سوريا الذين تحولوا إلى هباء منثور بفعل البراميل المتفجرة. كفاكم دموع تماسيح يا سيادة الرئيس وضحكاً على الذقون. أنت تعرف يا رئيس أمريكا أن الذين يدمرون سوريا لم يكن بمقدورهم أن يطلقوا رصاصة واحدة على السوريين لولا أنكم أعطيتموهم الضوء الأخضر منذ ست سنوات؟ رجاء لا تأكلوا بعقولنا حلاوة. نحن نعرف أن المجرمين لم يكونوا ليتجرأوا على تدمير سوريا وتشريد شعبها لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والأمريكي تحديداً، فهم لا يخافون أحداً في العالم بقدر ما يخافون من الكاوبوي الأمريكي. ولو أردتم أن تمنعوهم من استخدام البراميل لأوقفتموهم بتصريح واحد حقيقي. لا تقل لي رجاء إنكم حاولتم إصدار قرارات دولية في مجلس الأمن لإدانتهم أو للتحرك ضدهم، لكنكم واجهتم الفيتو الروسي والصيني. نحن نعرف تماماً أنكم كنتم تختبئون وراء الفيتو الروسي الذي لم يكن بوتين ليستخدمه لو لم يكن يعرف أنكم تباركون كل ما يحدث في سوريا. وقد ذهب البعض أبعد من ذلك ليقول إنكم أنتم الأمريكيين من كان يوعز لروسيا كي تستخدم الفيتو في مجلس الأمن لأنكم راضون عما يحدث في سوريا، ولأن القتلة في سوريا ينفذون لكم ولإسرائيل كل ما تتمنونه هناك. وأكبر دليل على كلامي هذا أنكم يا سيادة الرئيس لم تستشيروا مجلس الأمن عندما شكل أوباما حلفاً دولياً لمحاربة داعش في سوريا منذ أربع سنوات ونيف. كذلك أنت يا سيادة الرئيس ترامب لم تعر الروس والفيتو أي اهتمام عندما قصفت مطار الشعيرات السوري بتسعة وخمسين صاروخاً بعد مجزرة الكيماوي الأخيرة.
لكن مع كل ذلك، سنتعامل معكم يا سيادة الرئيس نحن السوريين المفجوعين على مبدأ: خير أن تأتي متأخراً من أن لا تأتي أبداً. ولا شك أن التفاتتكم الأخيرة للملف السوري، ولو على استحياء، لفتة يقدرها الشارع العربي كله، وليس فقط السوريون، ليس طبعاً تشجيعاً لكم على غزو سوريا، بل كي تخففوا من وطأة القتل والدمار في سوريا. لا تتصور كم كان السوريون فرحين رغم جراحهم الغائرة بإدانتكم على شاشة أهم تلفزيون أمريكي لما يتعرض له السوريون من وحشية.
ربما لأول مرة منذ ست سنوات يلتفت الإعلام الأمريكي بهذه الكثافة والإنسانية للكارثة السورية. لأول مرة يسمع المواطن الأمريكي البسيط بمحنة أطفال سوريا الذين تتطاير أياديهم وأرجلهم في الجو بفعل البراميل المتفجرة التي تتساقط على المشافي والمدارس. لقد كان وصفكم لتلك الوحشية في مقابلتكم مع فوكس نيوز عظيماً جداً، خاصة أنه يصدر لأول مرة ليس من صحفي أمريكي، بل من رأس أمريكا.
صدقني أن غالبية السوريين لا تريد منكم أن تجيشوا الجيوش للتدخل في سوريا، ولا تريد توريطكم في الوحل السوري. السوريون بمعظمهم وطنيون ويرفضون أي تدخل عسكري خارجي في بلدهم، لكنهم يعلمون أنكم قادرون على وضع حد للكارثة لو أردتم دون أن تطلقوا رصاصة واحدة.

مذيع في قناة الجزيرة