وعود للطبقة المتوسطة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص

مايكل سبنس
ديفيد برادي

يدين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفوزه الانتخابي إلى حد كبير للناخبين الأكبر سنا من ذوي البشرة البيضاء المنتمين إلى الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة الذين فاتتهم فرصة الاستفادة من أنماط النمو الاقتصادي في العقود الثلاثة الفائتة. ومع ذلك، تستعد إدارته لملاحقة برنامج اقتصادي لن يتمكن رغم كونه إيجابيا في بعض النواحي من تسليم التحول في الثروة الاقتصادية الذي وعد به جمهوره الانتخابي الرئيسي.

الواقع أن ترامب أعطى صوتا لمجموعة من الناخبين الذين واجهوا لفترة طويلة آفاق فرص العمل المتزايدة السوء والدخول الحقيقية الراكدة أو حتى المتراجعة وهي الاتجاهات التي تسارعت منذ العام 2000. فمع انخفاض عدد وظائف الطبقة المتوسطة، تقلصت مجموعة الدخل المتوسط، الأمر الذي أدى إلى تفاقم استقطاب الدخل. وفي حين كانت هذه الظاهرة حادة بشكل خاص في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فمن الممكن رؤيتها في أشكال عديدة في مختلف أنحاء العالَم المتقدم.
ترجع التحديات الاقتصادية التي تواجه الطبقة المتوسطة في الدول المتقدمة بشكل كبير إلى عاملين اثنين: الخسارة السريعة للوظائف الإدارية والعمالية الروتينية لصالح الأتمتة (الإنسان الآلي)، وتحول وظائف القيمة المضافة المتوسطة والمنخفضة إلى دول حيث تكاليف القوى العاملة منخفضة. وكان النمط الأخير سببا في انخفاض نمو الدخل والأجور ليس فقط في القطاع القابل للتداول بشكل مباشر، بل وأيضا في قطاع الخدمات غير القابلة للتداول، نظرا للتداعيات المرتبطة بالقوى العاملة المتاحة.
وكانت النتيجة ظروف القوى العاملة الفائضة في نطاقات الدخل المتوسط والدخل المتوسط الأدنى، على نحو لا يختلف عن القوى العاملة الفائضة في المراحل المبكرة من نمو الدول النامية، إذ تعمل على قمع نمو الدخل (لفترة من الوقت) حتى مع توسع الاقتصاد. وربما ساهم تراجع القدرة التفاوضية لدى العمال وانخفاض الحد الأدنى الحقيقي للأجور أيضا في استقطاب الدخل، وإن كانت هذه عوامل ثانوية في الأرجح.
رغم التوثيق الجيد للتحديات التي تواجه الطبقة المتوسطة، فشل قادة الولايات المتحدة إلى حد كبير في تكوين فهم كامل لنضال الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، ناهيك عن تنفيذ تدابير مضادة فعّالة. وقد ساهم هذا في تعزيز الشعور باليأس -وخاصة بين الرجال- والذي تجلى في ارتفاع معدل عدم المشاركة في قوة العمل، والمشاكل الصحية المتفاقمة، وتعاطي المخدرات، وارتفاع معدلات الانتحار، والمشاعر المعادية للحكومة.
تواجه الدول التي تشهد تفاوتا اقتصاديا مرتفعا ومتزايد الاتساع عدم الاستقرار السياسي واختلال السياسات عادة. ومع شذوذ عملية صنع السياسات، فإنها تفقد مصداقيتها وتختنق بفِعل الجمود، ويعاني النمو، وتتضاءل فرص تحقيق شكل مزدهر من أشكال الشمول. والنتيجة حلقة مفرغة، إذ تواجه الحكومة صعوبة متزايدة في القيام بما يلزم.
لكنّ التدخل الحكومي أمر بالغ الأهمية في التصدي للمشاكل التي تواجه العمال في الدول المتقدمة اليوم، والتي لا تستطيع الأسواق معالجتها بمفردها. وسواء كان ذلك من خلال إعادة التفاوض على الترتيبات التجارية، أو الاستثمار في البنية الأساسية ورأس المال البشري، أو تيسير عملية إعادة التوزيع، فيتعين على الحكومات أن تعمل بشكل استباقي لإعادة التوازن إلى أنماط النمو.
والآن تواجه إدارة ترامب تحديين كبيرين على الأقل. الأول يتلخص في توجيه العملية السياسية بعيدا عن الاستقطاب المسبب للشلل، ونحو رؤية لنمط من أنماط النمو قابلة للتطبيق وأكثر شمولية. أما التحدي الثاني -المشروط بتحقيق الأول- فيتمثل في الاستجابة للمخاوف المشروعة التي تقض مضاجع الناخبين الذين ساعدوا ترامب في الوصول إلى منصبه.
والإشارات غير مشجعة عندما يتعلق الأمر بالتحدي الأول حتى الآن. فالعملية الانتخابية في الأساس مباراة محصلتها صِفر بالنسبة للمشاركين. ولكن الحُكم ليس مباراة محصلتها صِفر. والتعامل معه على هذا النحو يؤدي إلى الجمود، والتفتت السياسي، والتقاعس عن العمل، مما يقوض الجهود الرامية إلى التصدي للتحديات الحرجة.
من المؤكد أن عناصر السياسة الاقتصادية التي تقترحها إدارة ترامب من شأنها، إذا جرى تنفيذها، أن تخلف تأثيرا إيجابيا. عل سبيل المثال، بدعم من الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، ربما تتمكن إدارة ترامب أخيرا من إنهاء اعتماد أمريكا المفرط على السياسة النقدية لدعم النمو وتشغيل القوى العاملة.
وعلاوة على ذلك، إذا استُهدِفَت استثمارات القطاع العام في البنية الأساسية ورأس المال البشري التي وعد بها ترامب على النحو اللائق فإنها كفيلة بزيادة العائدات على الاستثمار في القطاع الخاص -وبالتالي معدلاته- مع الدَفعة الإضافية التي يوفرها الإصلاح الضريبي والتنظيمي. ومن الممكن أن تساعد إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية والاستثمارية أيضا على إعادة توزيع تكاليف وفوائد العولمة، على أن لا يرقى أي تغيير إلى مستوى فرض تدابير الحماية. ومن المرجح أن يكون تأثير سياسات إدارة ترامب الاقتصادية مدعوما بتكيف الاقتصاد الطبيعي هيكليا مع التطور التكنولوجي.
بيد أن هذا لن يكون كافيا لمكافحة القوى التي ظلت تفرض الضغوط على العمال الأمريكيين. وحتى إذا تمكنت إدارة ترامب من تعزيز النمو الاقتصادي، وبالتالي التقليل من تأثير «القوى العاملة الفائضة» وتوليد فرص العمل، فسوف تناضل سوق العمل من أجل مواكبة هذا التطور. وفي وقت يتسم بالتحول التكنولوجي السريع والعميق، تحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى التزام قوي من قِبَل القطاعين العام والخاص لمساعدة العمال على التكيف.
تتمثل خطوة أولى مفيدة في زيادة الدعم بشكل كبير للتدريب، وإعادة التدريب، ورفع مستوى المهارات. في كتابه بعنوان الفشل في التكيف، يلاحظ تِد ألدين، وهو زميل في مجلس العلاقات الخارجية، أن الولايات المتحدة تنفق 0.1 % فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على إعادة التدريب، مقارنة بنحو 2 % في الدنمارك. ويبدو أن أداء الدنمارك ودول الشمال كان أفضل من أغلب الدول الأخرى في الموازنة بين ضرورات مثل الكفاءة، والدينامية، والمرونة البنيوية، والقدرة التنافسية، والانفتاح الاقتصادي وبين الاحتياج إلى أنظمة الضمان الاجتماعي التي تدعم التكيف مع بيئة عمل متغيرة.
وعلاوة على ذلك، سوف يتطلب الأمر بعض إعادة توزيع الدخل، من أجل تمكين العمال من ذوي الدخل المنخفض من الاستثمار في أنفسهم وهو أمر مستحيل عندما يكون لديهم ما يكفي بالكاد لتغطية احتياجاتهم الأساسية. وهنا تصبح التحويلات النقدية المشروطة للتدريب واكتساب المهارات مفيدة.
كما يشكل الوصول الشامل إلى التعليم العالي الجودة أيضا أهمية بالغة. ففي الوقت الحالي، عندما يفشل جزء ما من النظام التعليمي في الولايات المتحدة، يفر ميسورو الحال إلى النظام الخاص، ويتخلف البقية عن الركب. وربما يكون هذا معقولا على المستوى الفردي ولكنه دون المستوى على الصعيد الجمعي. والواقع أنه في غياب التعليم العالي الجودة على المستويات كافة -من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الجامعة أو التدريب المهني المعادل- يصبح من المستحيل تقريبا تحقيق أنماط نمو شاملة.
أخيرا، ينبغي لإدارة ترامب أن تعيد النظر في تخفيضاتها العميقة المقترحة لتمويل البحوث الأساسية، والتي من شأنها أن تقوض الإبداع والدينامية الاقتصادية على طول الطريق. ورغم أن إزالة البرامج الأقل تبشيرا أمر مقبول بكل تأكيد، تماما كمثل مكافحة المصالح الخاصة، فلابد من إعادة توجيه الأموال المدخرة إلى مناطق أكثر تبشيرا في مجال البحوث الأساسية.
ربما تكون خطة إدارة ترامب الاقتصادية الحالية داعمة للنمو، ولكنها غير كاملة عندما يتعلق الأمر بالشمول. ومن غير الممكن أن نعتمد على التحولات في السياسة التجارية لإعادة التوازن إلى أنماط النمو لصالح الأسر المنتمية إلى شرائح الدخل المتوسط والمنخفض. بل إنها ربما تشكل حتى تهديدا للنمو.

مايكل سبنس: حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد

ديفيد برادي: نائب مدير وكبير زملاء معهد هووفر