هيبة الدولة والاستحقاقات الوطنية!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
هيبة الدولة والاستحقاقات الوطنية!

على بن راشد المطاعني

زادت المطالبات للحكومة في الآونة الأخيرة مناشدة بعدم هيكلة الرسوم والضرائب وغيرها، المطالبات جاءت من العديد من المؤسسات كمجلس الشورى والقطاع الخاص وأيضا من المواطنين، ‏إلا أن السؤال الجوهري والحيوي ينبثق تلقائيا ويقول ما هي البدائل التي تراها هذه الجهات مناسبة لسد العجز في هذه المرحلة التي تتضاءل فيها الإيرادات النفطية وعدم وفاء الإيرادات الغير النفطية بالاحتياجات المالية الفعلية للدولة، وهل يا ترى سنظل نقترض من الأسواق الداخلية والخارجية إلى الأبد لرتق الفجوة، وهل يرضون لدولتنا أن تغدو صغيرة الحجم أمام الدائنين، الذين لن يتوانوا للحظة واحدة في فرض شروطهم الجزائية والقسرية مما يفقد بلادنا هيبتها ومكانتها بين الأمم؟

الدولة اليوم بمثابة الأب الذي يصرف على أبنائه، فهو ملزم بتوفير المتطلبات الأساسية والضرورية والتي تحقق لهم الحد الأدنى لحياة كريمة، في حين يجد نفسه مضطرا لتأجيل شراء الكماليات اللاضرورية، إلا أن الأبناء وبحكم أنهم لا يعلمون الكثير عن قدرات والدهم المادية، فإنهم يطالبونه بشراء الكماليات تماما كما يشتري الأساسيات وتماما كما يفعل جارهم الغني مع أبنائه.
فالدولة ومهما كان حجمها وعظمتها لا تخرج عن هذه المعادلة باعتبارها كالأب الذي يصرف على أولاده، صحيح إنه لا يبخل عليهم، وصحيح إنه يتمنى لهم الأفضل دائما وأبدا، إلا إنه وفي بعض الأحيان نجده غير قادر على الوفاء بما يرغب الأبناء فيه فقط لضيق ذات اليد، وهذه سنة الحياة التي يتعين احترامها، ومن لم يفعل فلا حيلة له أصلا إلا العودة إليها صاغرا، فهل يجوز والحال كما أشرنا أن نظل نطالب ونرفع أصواتنا من كل صوب وحدب مطالبين بالمزيد من الأعطيات، وضاربين عرض الحائط بحالة الأب رحيم المالية.
ثم علينا أن نتساءل إذا لم تتخذ الحكومة هذه الإجراءات التي يتذمر البعض منها، فما هو الحل السحري الذي يقترحه هؤلاء لمعالجة العجز الكبير في الموازنة والذي من المتوقع أن يصل إلى 6 بلايين ريال عُماني للعام الجاري 2017، رغم إن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تعتبر غير كافية مقارنة بحجم الأزمة المالية التي تواجهها الدولة.
فهل نرضى أن نرى بلادنا في وضع لا تحسد عليه، ثم نقف في مقاعد المتفرجين غير قادرين على تحمل بعض التبعات والمسؤوليات.
الجانب الآخر الذي يجب أن نذكره بالخير كله، هو أنه عندما كان الوضع المالي جيدا، استثمرت الدولة مواردها في مشاريع تخدم المواطن والوطن، والكل يشهد على ذلك وقامت بإعادة توزيع هذه المداخيل على المواطنين في صيغ مختلفة منها زيادة رواتب الموظفين وتوصيل الخدمات لهم أينما كانوا في ربوع الوطن في المدن والقرى وقمم الجبال والصحاري، حيث القاصي والداني شاهد على مظاهر التنمية التي حدثت في السلطنة خلال السنوات الفائتة، أما الآن فعلينا الوفاء باستحقاقات المرحلة الصعبة التي تتطلب المزيد من التضحيات والوفاء للوطن بالمزيد من الصبر وتحمل المشاق في سبيل تجاوز الأزمة.
بالطبع نتفهم دواعي بعض الجهات كمجلس الشورى والقطاع الخاص وممثليه في التعاطي مع الواقع عبر المزيد من المطالبات من هنا وهناك ولأسباب تخص توجهاتهم وعلاقتهم مع ناخبيهم، إلا إنه وفي مثل هذه الظروف لا يجب تقديم المصالح الشخصية على المصالح الوطنية العليا، بل على هذه الجهات دورا محوريا بإقناع المواطنين والشركات بضرورة الالتفاف والتعاون مع الحكومة لتجاوز هذه المرحلة، فهذه الجهات عليها مسؤوليات كبيرة ليس بمطالبة الحكومة لعدم زيادة الرسوم والضرائب، بقدر ما يتعين عليها إقناع الآخرين بالصبر على تبعات المرحلة الراهنة والعمل على تجاوزها ببذل بعض التضحيات.
بالطبع نتفهم كذلك بأن الانكماش الاقتصادي له تأثيراته على الجميع، ولكن لابد من المرور بهذه المنعطفات الحادة إشارة إلى إنها ليست وقفا على السلطنة وحدها وإنما في كل بلدان العالم تقريبا، والحل الذي نراه في مثل هذه الأزمات هو العمل على استقطاب الاستثمارات الخارجية وتسهيل الإجراءات وتبسيطها في هذا المجال، وتسييل بعض الأصول المالية، وتفعيل مشاركة القطاع الخاص وأرباب العمل في إدارة دفة الأزمة جنبا لجنب مع الحكومة.
نأمل أن لا نرفع وتيرة المطالب على الدولة في هذا الوقت بالذات فهي في حاجة لكل جهد ولكل بيسة لتعيد ضخها في شرايين التنمية في البلاد وتسيير الالتزامات الضرورية الشهرية وغيرها من المتطلبات الملحة، وبذل المزيد من التكاتف والتعاضد والتآزر لعبور نفق الأزمة مهما كلفنا ذلك من التزامات فإنها ستظل ضئيلة مقارنة مع ما قدمته لنا ولأجلنا.