عمان واحة للسلام .. في محيط مضطرب !!

مقالات رأي و تحليلات الجمعة ١٢/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٢٠ ص
عمان واحة للسلام .. في محيط مضطرب !!

علي ناجي الرعوي

يحتفظ التاريخ السياسي العربي الحديث للسلطان قابوس بن سعيد بأنه الزعيم الاوحد الذي انتبه مبكرا ومنذ توليه الحكم في العام 1970م لمعطيات السياسة التي تنتصر لشرائح المجتمع العماني وتطلعاته في النماء والتطور والأمن والاستقرار والحياة الكريمة .. فكان الزعيم الذي نقل ابناء شعبه من وهاد الجهل والأمية والتخلف الى ضفاف العلم والنور والرخاء حيث عمل منذ اللحظة الاولى على اذابة جميع الانقسامات الداخلية على قاعدة التسامح والصفح واستيعاب كافة العمانيين في اطار موجهات القانون والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية لتشكل تلك الخطوات الرشته المثالية لمعالجة اوجاع الماضي وبوابة للانطلاق صوب المستقبل من خلال خطط التنمية الشاملة التي ركزت في اولوياتها على النهوض بالتعليم وبناء الانسان ذكرا او انثى الامر الذي مكن هذه الدولة الخليجية الفتية بمواردها المحدودة من ان تضع اقدامها على ناصية العصر الحديث في عقود قليلة بمجرد ان اخذ كل من ابنائها مكانه في الحراك المجتمعي من دون تفرقة او تمييز حيث برزت المرأة كنصف المجتمع عملا لا شعارا الامر الذي جعل من عمان تتنفس برئتين كلا منهما يدعم الاخر للحفاظ على عافية وصحة الجسد الواحد.
يصف الفلاسفة السياسة من كونها اداء فكري وذهني يمكن ان يتعلمه الانسان عبر طريقين : الاول تنظيري حين يقوم بدراسة علم السياسة بعقل منفتح قادر على الاستيعاب .. والثاني عملي حيث يمكن للقيادي او السياسي ان يتقن دوره عن طريق الاحتكاك المباشر مع قضايا مجتمعه مسنودا بالذكاء والدراية والفطنة والحكمة والرشد والعقلانية وهي عناصر اذا ما اجتمعت معا فإنها التي تشكل شخصية السياسي او القائد او الزعيم وتمنحه كل مقومات النجاح للرقي بوطنه ومجتمعه وهي خصال يجمع العديد من المحللين والسياسيين على انها من اجتمعت في شخصية السلطان قابوس بن سعيد الذي كان عليه ان يقود عملية بناء لدولة صاعدة من منظور تلك السمات التي قلما توفرت في غيره من القادة العرب وهو ما اتاح له ان يقود عملية تحول متميزة في سلطنة عمان التي تظهر اليوم وهي من تتكئ على بنيان متناغم ومنسجم في كل جوانبه وتحولاته.
لا يجهل الكثيرون الظروف الصعبة والصورة النمطية التي كانت ترتسم على ارض عمان قبل تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم وكيف تعامل مع تلك الظروف وتحدياتها بإرادة الواثق من نفسه وبصدق وإخلاص ابناء شعبه الذين ادركوا مع قائدهم ان بناء دولة من نقطة الصفر ليس بالأمر الهين او السهل وبالذات اذا ما كانت هذه الدولة ضمن محيط اقليمي وجغرافي تتقاذفه هوامش التنافس التاريخية وتناقضات المصالح ومع ذلك فقد كان الجميع مؤمنا بأنه ومهما كانت مشقة هذه المهمة فلاشيء مستحيل امام ارادة الشعوب وبالفعل فقد برهنت كل الوقائع أنه ومتى ما تكاملت ارادة القائد وإرادة المجتمع تصنع المعجزات ويصبح المستحيل على مرمى حجر.
لقد انقذت فراسة السلطان قابوس السياسية ووسطيته ونهده المتوازن سلطنة عمان من الوقوع في دائرة التجاذبات والنزاعات الاقليمية والدولية حيث حافظت هذه الدولة الخليجية على علاقات ودية مع جميع الاطراف بل انها من ظلت تنأى بنفسها عن اية استقطابات مما جعل منها عنصرا فاعلا لتقريب وجهات النظر وصوتا للسلام حيث لعبت الدبلوماسية العمانية دور الوسيط بين العديد من الاطراف الاقليمية والدولية ومن ذلك الوساطة بين ايران والغرب والتي تمخضت عن اتفاق الطرفين بشأن البرنامج النووي الايراني وما كان لعمان ان تكون بهذه الواقعية من دون تلك الاعتبارات التي جعلت من الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية هي المحدد الرئيس الذي يملي سياسات السلطنة الخارجية والمعيار الذي يحدد اصدقاءها وأعداءها.
وليس هذا وحسب فقد انقذت فراسة السلطان قابوس السياسية ايضا عمان من الولوج في نفق التطرف والإرهاب ولذلك نجد ان سلطنة عمان هي البلد العربي والإسلامي الوحيد الذي لم نسمع عن أي عنصر جهادي ينتمي اليها سواء ممن يعرفون بالأفغان العرب او السلفية الجهادية او تنظيم الدولة (داعش) او القاعدة او جند الله او أي من جماعات الاسلام الراديكالي المصنفة دوليا بالجماعات الارهابية فقد بقي سجل سلطنة عمان الحكومة والشعب نظيفا عالميا وشعبيا ومرد ذلك يعود للاعتدال الديني والتعليمي الذي تنتهجه بهدف تحصين شبابها من الوقوع في فخ تلك الجماعات وهي ميزة جعلت العالم يرى عمان الارض الامنة والبعيدة على التطرف بكل انواعه وأشكاله على الرغم من وقوعها جغرافيا على خطوط العبور الدولية اذ تقع في اقصى الجنوب الشرقي للجزيرة العربية ناهيك عن حدودها الواسعة مع الجمهورية اليمنية التي تعصف بها الفوضى والصراعات الداخلية وحروب الجماعات المتطرفة التي تتمدد في عدة محافظات يمنية.
ومن المفيد في هذا الاطار الاشارة الى ان كل العواصف السياسية والأمنية التي ضربت معظم الدول العربية منذ سنوات قد فشلت في التسلل الى سلطنة عمان او ايجاد ثغرة لها في هذا البلد الذي يتسلح بالتسامح السياسي والديني مما جعل منه نموذجا فريدا في محيطه بعد ان ترسخت في بنيته الاجتماعية قيم الاعتدال والتعايش فصارت كل فسيفساء هذا المجتمع قادرة على فهم بعضها البعض بعيدا عن الغلو والتعصب والتشدد وبفضل هذه الروح فهاهي هذه الدولة الخليجية تبدو اليوم واحة للأمن والاستقرار والسلام وسط محيط اقليمي مختل ومضطرب تتنازعه الحروب والانقسامات الداخلية والصراعات المذهبية والطائفية وعنف الحركات المتطرفة التي تتقاتل تارة باسم الدين وأخرى باسم المذهب الى درجة اضحت فيها المعلومة المتنقلة عن المجتمعات العربية تختزل ما بين التوصيف بالإرهاب وما بين البلاهة والتخلف.
القيادة الحكيمة في سلطنة عمان بنظرتها الثاقبة وبصيرتها المتميزة صاغت تجربة غير مسبوقة في الوطن العربي تستحق اكثر من وقفة جادة لسبر غورها ودراستها بصورة معمقة وخلاقة بقصد الاستفادة منها واستلهام خصائصها لكونها تجربة تستحق ان يحتذى بها في هذه المنطقة وتحديدا من الدول العربية التي تموج بالفوضى والافرازات السلبية والصراعات العبثية.

كاتب يمني