الجمهوريون والمال

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
الجمهوريون والمال

نورييل روبيني

لقد انهارت بالفعل أول أهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التشريعية الكبرى «إلغاء وإحلال» قانون الرعاية الميسرة للعام 2010 «أوباما كير»، بسبب سذاجة ترامب والجمهوريين في الكونجرس إزاء التعقيدات المحيطة بإصلاح الرعاية الصحية. فكان من المحتم أن تبوء بالفشل محاولاتهم لتغيير قانون به نقائص ولكنه يحظى بشعبية كبيرة والاستعاضة عنه بإصلاح زائف من شأنه أن يحرم أكثر من 24 مليون أمريكي من الرعاية الصحية الأساسية وحتى لو مرت هذه المحاولة فإن هذا كان ليتسبب في فشل أعضاء الكونجرس الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي في العام 2018.

والآن، يلاحق ترامب والجمهوريون في الكونجرس الإصلاح الضريبي -بدءا بضرائب الشركات ومن ثَم الانتقال إلى الضرائب على الدخل الشخصي- وكأن هذا قادر على تسهيل المهمة. ولكن هذا لن يحدث، خاصة وأن المقترحات الأولية التي طرحها الجمهوريون من شأنها أن تضيف تريليونات من الدولارات لعجز الموازنة، وأن تعمل على توجيه أكثر من 99 % من الفوائد إلى أعلى 1 % دخلا على جدول توزيع الدخل.

وقد ولِدَت جهيضة الخطة التي تقدم بها جمهوريون في مجلس النواب الأمريكي لخفض معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 15 %، والتعويض عن الإيرادات المفقودة بفرض ضريبة التعديل الحدودية. ولا تحظى هذه الضريبة بالدعم الكافي حتى بين الجمهوريين، وهي تخالف قواعد منظمة التجارة العالمية. ذلك أن التخفيضات الضريبية التي يقترحها الجمهوريون من شأنها أن توجد عجزا في الإيرادات قدره 2 تريليون دولار على مدار العقد المقبل، ولا يمكنهم سد هذا العجز بالاستعانة بالتوفير في الإيرادات نتيجة لخطة إصلاح الرعاية الصحية أو باستخدام إيرادات ضريبة التعديل الحدودية التي كان من المتوقع أن تبلغ 1.2 تريليون دولار.
الآن، يتعين على الجمهوريين أن يختاروا بين تمرير تخفيضاتهم الضريبية (وإضافة 2 تريليون دولار للدين العام) وبين ملاحقة إصلاح أكثر تواضعا. السيناريو الأول غير مرجح لثلاثة أسباب. فأولا، سوف يعترض الجمهوريون المحافظون ماليا في الكونجرس على أي زيادة متهورة في الدين العام. وثانيا، تشترط قواعد الميزانية في الكونجرس أن لا يدوم أي خفض ضريبي ليس ممولا بالكامل بإيرادات أخرى أو تخفيضات في الإنفاق أكثر من عشر سنوات، وبالتالي فإن تأثير خطة الجمهوريين الإيجابي على الاقتصاد سوف يكون محدودا.
وثالثا، إذا تسببت التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق العسكري والإنفاق على مشاريع البنية الأساسية في دفع العجز والدين العام إلى الارتفاع، فسوف ترتفع أسعار الفائدة بالضرورة. وهذا من شأنه أن يعوق الإنفاق الحساس لقيمة الفائدة، مثل الإنفاق على الإسكان، وأن يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، وبالتالي فقد يُفضي هذا إلى تدمير ملايين الوظائف، وإلحاق القدر الأعظم من الضرر بالجمهور الانتخابي الأساسي للرئيس ترامب - الناخبين من أصحاب البشرة البيضاء المنتمين إلى الطبقة العاملة.
وعلاوة على ذلك، إذا تسبب الجمهوريون في تضخيم الدين، فقد تؤدي استجابة الأسواق إلى تعطل الاقتصاد الأمريكي. ونظرا لهذا الخطر، فسوف يضطر الجمهوريون إلى تمويل أي تخفيضات ضريبية بإيرادات جديدة وليس عن طريق الاستدانة. ومن المرجح نتيجة لهذا أن يتحول أسد إصلاحهم الضريبي الهادر إلى فأر ضئيل وديع.

خلال الحملة الرئاسية اقترح ترامب «عطلة» ضريبة على إعادة الأرباح إلى الداخل بقيمة 10 % لتشجيع الشركات الأمريكية على إعادة أرباحها الأجنبية إلى الولايات المتحدة. ولكن هذا لن يحقق سوى 150 بليون دولار إلى 200 بليون دولار في هيئة إيرادات جديدة -أقل من 10 % من العجز المالي الذي قد يبلغ 2 تريليون دولار نتيجة لخطة الجمهوريين-، وعلى أي حال، ينبغي استخدام الإيرادات المتأتية من ضريبة إعادة الأرباح إلى الداخل لتمويل الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية أو إنشاء بنك للبنية الأساسية.

والآن يقترح بعض الجمهوريين في الكونجرس، والذين يعلمون بالفعل أن ضريبة التعديل الحدودية غير قابلة للتطبيق، الاستعاضة عن ضريبة دخل الشركات بضريبة القيمة المضافة التي تعتبر قانونية بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية. ولكن هذا الخيار أيضا من غير المرجح أن يلقى أي قبول. فقد دأب الجمهوريون أنفسهم على معارضة ضريبة القيمة المضافة بقوة، بل إن الكونجرس يضم تجمعا جمهوريا مناهضا لضريبة القيمة المضافة.
يشير الرأي الجمهوري التقليدي إلى أن مثل هذه الضريبة «الفعّالة» من السهل للغاية أن تزيد بمرور الوقت، الأمر الذي يزيد من صعوبة «تجويع وحش» الإنفاق الحكومي «المسرف». ويشير الجمهوريون إلى أوروبا وغيرها من أجزاء العالم إذ بدأت ضريبة القيمة المضافة منخفضة ثم ارتفعت تدريجيا إلى خانة العشرات، حتى تجاوزت 20 % في العديد من البلدان.
كما عارَض الديمقراطيون تاريخيا ضريبة القيمة المضافة، لأنها شكل رجعي للغاية من أشكال الضريبة. ورغم إمكانية جعلها أقل رجعية من خلال استبعاد أو خصم المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية، فإن هذا لن يُفضي إلا إلى جعلها أقل جاذبية في نظر الجمهوريين. ونظرا لهذه المعارضة من جانب الحزبين فإن ضريبة القيمة المضافة -مثلها في ذلك كمثل ضريبة التعديل الحدودية- تُصبِح غير قابلة للتطبيق.
أما إصلاح ضرائب الدخل الشخصي فسوف يكون أشد صعوبة. ذلك أن مقترحات ترامب والقيادات الجمهورية الأولية كانت لتكلف ما بين 5 تريليونات دولار إلى 9 تريليونات دولار على مدار العقد المقبل، وكانت 75 % من الفوائد لتذهب إلى أعلى 1 % دخلا، وهي فكرة انتحارية من الناحية السياسية. والآن، بعد تخليهم عن خطتهم الأولية، يزعم الجمهوريون أنهم يريدون خفضا ضريبيا محايدا في ما يتصل بالإيرادات ولا يتضمن أي تخفيضات لأعلى 1 % من أصحاب الدخول.
ولكن هذا أيضا يبدو أشبه بالمهمة المستحيلة. ذلك أن تنفيذ تخفيضات ضريبية محايدة في ما يتصل بالإيرادات لكل فئات الدخل تقريبا يعني اضطرار الجمهوريين إلى الإلغاء التدريجي للعديد من الإعفاءات وتوسيع القاعدة الضريبية على نحو لا يمكن الدفاع عنه سياسيا. على سبيل المثال، إذا أزال الجمهوريون الخصم على الفائدة على الرهن العقاري لصالح أصحاب المساكن، فسوف تنهار سوق الإسكان في الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، تتخلص الوسيلة الوحيدة المعقولة لمنح العمال من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض الإعفاء الضريبي في زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء. وهي فكرة شعبوية تقدمية اجتماعيا ولن يقبلها أبدا زعيم شعبوي زائف يناصر حكم الأثرياء مثل ترامب. ولهذا، يبدو أن الجمهوريين سوف يستمرون في خداع أنفسهم أن سياسات جانب العرض وتقاطر الثروة إلى الأسفل ناجحة، رغم الكم الهائل من الأدلة التي تشير إلى العكس تماما.

الرئيس التنفيذي لمؤسسة روبيني ماكرو أسوشيتس وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك