العرب.. وصراع الكبار في سوريا!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
العرب.. وصراع الكبار في سوريا!

علي ناجي الرعوي

جاءت ردود الفعل العربية على القصف الأمريكي لقاعدة «الشعيرات» الجوية في سوريا فجر يوم الجمعة الفائت تماما كما هو متوقع، فقد انقسم العرب بين مؤيد ومعارض وثالث فضل الوقوف في (المنطقة الرمادية) أو مسك العصا من المنتصف بل إن مثل ذلك الانقسام كان بديهيا نظرا لما تعانيه البنية العربية من توترات وتصدعات وحالة تشرذم تحولت معها فكرة التضامن العربي وأدبيات العمل المشترك إلى فاعل انقسامي جدي وأساسي، ونتيجة هذه العوامل وغيرها فقد بنى كل طرف من الأطراف الثلاثة موقفه انطلاقا من توجهات ومسارات المحور الذي يصطف إليه غير أن ما تم إغفاله من حيث المبدأ ليس فقط المصالح والأهداف الوطنية والقومية للعرب وإنما انعكاسات استمرار هذا الانقسام على مستقبل الأمة العربية وأجيالها المقبلة خصوصا.

إن ذلك الانقسام بات يلقي بظلاله السلبية على الأوضاع في البلدان الغارقة بالأزمات والحروب كسوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال وغيرها من البلدان التي تموج بالصراعات بالوكالة عن الأطراف الإقليمية والدولية فيما يظهر النظام العربي ومؤسساته خارج المسؤولية وخارج نطاق المساءلة عما يجري مع أنه بهذه اللامبالاة إنما يشرعن دون أن يدري لتدويل الأزمات العربية ومنح الدول الغربية المبررات أن تكون بشكل أو بآخر مجرد وكيل حصري ومعتمد لهذا الطرف الدولي أو ذاك إما بدافع حماية الذات أو رغبة في الاستقواء على الآخر (الشقيق) أو تحت ذرائع وحجج واهية أغلبها وهمي أو ذاتي أو مصلحي.

مهما تباينت المواقف واختلفت المقاربات وتعددت القراءات العربية وغير العربية لدوافع الهجوم الأمريكي الأخير على إحدى القواعد العسكرية السورية فثمة حقائق لا تحتمل التشكيك أو الدحض والجدل وعلى رأس هذه الحقائق أن الولايات المتحدة التي انكفأت عن التدخل العسكري المباشر في سوريا أثناء إدارة الرئيس أوباما بسبب حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في العراق وأفغانستان قد تراجعت عن تلك السياسات لتعود من جديد في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب لترفع (الهراوة) من أجل استمرار واستقرار سلطاتها وهيمنتها ونفوذها في المنطقة ويمكن استشراف هذه العودة من ملامح الخطاب السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة ورئيسها ترامب الذي يطمح في أن يكون صاحب الكلمة الأولى في تقرير مستقبل سوريا والمنطقة عموما على اعتبار أن أمريكا من وجهة نظر الرئيس ترامب هي القوة العظمى الوحيدة في العالم وفي قلب هذا العالم يأتي الشرق الأوسط وسوريا تمثل الرئة لهذا الشرق ولا ينبغي لأحد أن ينافس واشنطن في هذا البلد بما في ذلك موسكو التي قد يذهب التنافس معها بعيدا بل وبعيدا جدا عن ما صاغه (بوتين- أوباما) من اتفاقات أو تقاسم للمصالح والنفوذ، هذا ما يفكر به ترامب حتى وإن لم يقل ذلك صراحة وبالتأكيد فإن ما لم يقله ترامب قد جاء على لسان أحد المعلقين الأمريكيين البارزين المقربين إليه عبر قناة CNN والذي وصف قرار ترامب بالهجوم على قاعدة الشعيرات بالتاريخي لكونه ينطوي على دلالات كثيرة وفي الصدارة منها الدلالات الاستراتيجية التي تمنع تفرد روسيا بالجغرافيا السورية أو أن تحل روسيا محل الاتحاد السوفييتي الأسبق في هذا البلد أو في غيره من البلدان التي كانت بمثابة الحديقة الخلفية للكرملين.
لا أحد في واشنطن كان مهتما بمواقف العرب بما فيهم أولئك الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وكانوا في مقدمة من رحبوا بالضربة العسكرية الأمريكية في سوريا وفي ذات السياق فلا نعتقد أن أحدا في موسكو أو داخل الكرملين كان مبتهجا برفض بعض العرب واستنكارهم لتلك الضربة لمعرفة الجميع في العاصمتين من أن العرب لا يشكلون رقما مؤثرا وأنهم الآن الحلقة الأضعف في الإقليم، أما على المستوى الدولي فهم من يتوزعون بين من يصرخ من داخل الزجاجة وبين من هو عالق داخل تلك الزجاجة وعاجز حتى عن الصراخ وأكثر من ذلك فإن الفاعلين من صناع القرار في العاصمتين يدركون أن العرب ليسوا طرفا حيويا في الصراع المحتدم بين الأطراف الإقليمية والدولية على سوريا وحولها حتى وإن اعتقد بعضهم أنه في قلب ذلك الصراع بطريقة غير مباشرة فإن دوره لا يرقى إلى فاعلية أدوار الأربعة الكبار (واشنطن - موسكو - أنقرة - طهران) ومع ذلك فالثابت أن العرب مستهدفون أكثر من غيرهم في هذا الصراع الذي يجري في صحن دارهم وهنا يجب أن نتذكر الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 والذي سانده الكثير من العرب نكاية بنظام صدام حسين دون وعى منهم بفداحة ذلك الفعل الذي لم يؤد إلى إسقاط النظام الذي كانوا يصفونه بالديكتاتوري فحسب وإنما إلى إسقاط العراق من معادلات الأمن القومي العربي وتضيق الخناق عليه ومحاصرته قرابة العقد من الزمن ليتكالب عليه الحاقدون وتسقط البوابة الشرقية للعرب بكل سلاسة في مستنقع النزاعات الطائفية والمذهبية بمؤامرة أمريكية خبيثة.
لذلك ساذج من يعتقد أن الهجوم الأمريكي على سوريا قد جاء ردا على جريمة قتل الأطفال بالكيماوي أو أن الهدف من ذلك الهجوم هو تأديب من ارتكب تلك الجريمة المروعة، كما أوحت بذلك المندوبة الأمريكية في الجلسة العلنية الطارئة لمجلس الأمن الدولي حينما وقفت وسط الجمع لتتباكى على أولئك الأطفال الذين قضوا في تلك المجزرة الدامية وسذاجة أكبر القول إن من قتلوا من الأبرياء في خان شيخون هم وحدهم من قتلوا بدم بارد في حين أن مئات الآلاف من الأبرياء قد قتلوا في كل سوريا قبل جريمة خان شيخون ومع ذلك لم تطلق واشنطن صاروخا واحدا ولم نر موقفها يتجاوز نطاق التنديد الخجول، فأين كان الضمير الأمريكي الذي رأيناه يصحو فجأة من سباته وغفوته عقب المجزرة الأخيرة؟ ولماذا غابت مفردات حقوق الإنسان عن الذهنية الأمريكية طيلة الأعوام الفائتة من الحرب المدمرة في سوريا التي توصف بأنها الأكثر عنفا في العقود الأخيرة بما سببته من دمار واسع ومئات الآلاف من القتلى والجرحى وتشريد أكثر من ستة ملايين سوري وإجبار ثلاثة ملايين آخرين على الفرار من البلاد كلاجئين؟
وبعيدا عن الأهداف المعلنة والمستترة للضربة الجوية الأمريكية يغدو من الواضح أن واشنطن كما هي روسيا والغرب كله يسوقون قضية حقوق الإنسان كهدف معلن للتغطية على معاركهم وصراعاتهم الجارية على المصالح والنفوذ في البلدان العربية ولا شك أن إدارة الرئيس ترامب قد أرادت من وراء تلك الضربة العسكرية الإعلان عن التموضع الأمريكي الجديد في الأزمة السورية بعد أن كانت معظم القوى الإقليمية والدولية قد سلمت بأن واشنطن لم تعد طرفا في هذه الأزمة وأنها معنية فقط بمحاربة داعش وأن روسيا أضحت اللاعب المفوض من كل العالم لإدارة مسارات التحول في هذا البلد، وبالتالي فقد جاء التدخل الأمريكي العسكري ليستدير بتلك المسارات 180 درجة وهو ما شعرت معه موسكو بالانزعاج إلا أن هذا الانزعاج لا يعني أن البلدين سيتجهان نحو الصدام العسكري وإشعال حرب عالمية ثالثة وإنما إلى الاعتراك من أجل الاتفاق على اقتسام الكعكة السورية.
مثل هذه اللحظة لن تفت على العرب بالطبع فهم الذين سيتابعون كل تفاصيلها وحينها سيكتشفون تماما أن الأكثر دهشة مما يجري في سوريا هي تلك الأبواب التي تركها العرب مفتوحة أمام الآخرين لتمرير أجندتهم في المنطقة العربية الجغرافيا والتاريخ والمقدرات والثروات والسيادة قبل أن يجدون أنفسهم وقد انتزع منهم كل شيء ولم يعد هناك ما يختلفون عليه.

كاتب يمني