أي تنمية نريد؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
أي تنمية نريد؟

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

في طريقي لولاية من ولايات محافظة شمال الشرقية عبر طريق بدبد صور كان بصحبتي أحد الأصدقاء العرب، حيث بدأ يبدي إعجابه بالطريق الجديد، مشيدا بما أنجز منه رغم التضاريس الصعبة، مؤكدا أن الاستثمار في البنية الأساسية في السلطنة يعد محط إعجاب القاصي والداني، وهنا وجدتني أغوص بذاكرتي لأيام خوال، وأتذكر ذلك الشاب القادم من الشرقية لينهل العلم من أحد الصروح العلمية الجديدة في السلطنة وقتها وهي جامعة السلطان قابوس، وكيف كانت رحلتي الأسبوعية من مسقط وإليها، حيث كان الطريق في اتجاهين في منطقة وعرة مليئا بالانحناءات، وتعمقت الذاكرة بقصص لحوادث شهدتها بعيني على هذا الطريق، وكيف حولته التنمية التي استثمرت عوائد النفط منذ بدايات النهضة لتطوير البنى الأساسية المتمثلة في الخدمات مثل الطرق التي تعد شرايين التنمية وغيرها من الخدمات التي تحتاجها البلاد والعباد.

وأصبح الحديث بيني وبين رفيق السفر يتمحور حول التنمية المستدامة التي طالت نواحي الحياة كافة من أجل رفاهية المواطن العماني، والتي لا يدركها غير الذي عايشها مثلي منذ الطفولة، فهناك أجيال لم تعرف ماذا كنا، ولم تدرك كيف وصلنا وما نحن فيه من نعم، أنعم الله بها علينا، وكيف أدارت القيادة الحكيمة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- شح الموارد، لتنعم أجيالنا والأجيال التي بعدنا، بهذه الحياة المفعمة بالحداثة ومظاهر التمدن، وهي من الأساسيات في حياة الشعوب، وكيف قد منّ الله علينا بعظيم النعم، وصرنا نحو الدعة والرفاهية، التي أنستنا طريقنا وكيف وصلنا.
ففي الوقت الذي تشهد فيه التنمية في البلاد تطورا مذهلا في العديد من المجالات التنموية، في كل ولايات السلطنة بهدف رخاء الإنسان في هذه الأرض الطيبة، نرى البعض لا تروق له هذه التنمية التي توفر خدماتها، كجزء من التزامات الدولة بالحياة الكريمة للمواطنين، فالبعض يرغب في التنمية النقدية التي تدخل للجيوب فقط، وهذا قصور كبير في الفهم حول ماهية التنمية وطبيعيتها، وهو ما يطرح تساؤلات عن أي تنمية نريد؟ هل التنمية الشاملة التي تقدم خدمات في مجالات عديدة كما هو متجسد لدينا في العديد من القطاعات التنموية والاقتصادية، أم تلك التي تهمل هذه الجوانب وتوجه الموارد المالية لإنعاش التدفقات النقدية للموظفين في الدولة، لإرضائهم.
هناك دول تنتهج مسارات منح المواطنين مرتبات ومزايا مباشـرة في حين أن التنمية في تلك الدول شبه غائبة، أو مدفوعة التكاليف، وهنا تظهر مفارقة أن الذي يستحـوذ على المزايا هو الموظف في الحكومة، في حين أن التنمية الشاملة تتوجه للمواطن بغض النظر عما إذا كان موظفا في جهاز حكومي أو صاحب نشاط اقتصادي.
فالطريق الذي يحفظ حياتك أولى من جيبك، فهو من سيوصلك آمنا مطمئنا لعملك، أو دراستك، والمشروع الذي نستثمر فيه لمستقبلنا هو من سيفتح أبواب الرزق لأبنائك، والمستشفى أو المركز الصحي الذي سيقدم خدماته ببلدتك هو من سيحمي صحتك وصحة أهلك، كل تلك المشاريع التنموية وغيرها ستفتح آفاقا جديدة لمستقبل يحافظ على ديمومة الرفاهية، ويصنع الفارق لمستقبل فلذات أكبادنا التي تمشي على هذه الأرض الطيبة.
أما طريق تنمية البطون والجيوب، وما فيه من دعم، فلنا فيه عبرة من دول كانت غنية، فاهتمت بتنمية الجيوب عبر الدعم، فوصلت إلى حد أن مستشفياتها غدت بلا مستلزمات طبية، وفي حالة يرثى لها، وأصبحت مدارسها، أبعد ما تكون عن مسمى مدارس، وغابت صيانة الطرق، فأصبحت الحوادث عنوانا لها، انظروا حولكم، انظروا إلى من يرمون أنفسهم في بحار الهجرة طمعا في مجرد الحياة الآدمية، فتنمية الجيوب كانت وبالا على من انتهجها، إذ لم يأخذ منها غير الخسران، أما التنمية المستدامة فهي وحدها التي ستفتح أبواب النمو المستمر، فهل نحن واعون لذلك أم سنظل نرهب كل من يسير في طريق الحق المهجور، ونتهمه بمحاباة الحكومة.
وعلى الحكومة أيضا عامل مهم في ذلك، فعليها المضي قدما في طريق التنمية، وألا تكترث بما يقال هنا أو هناك، وألا تجامل في طريق التنمية، وهي الحق، فمستقبل هذا الشعب أمانة بين يديها، وعليها الحفاظ على تلك الأمانة، عبر السير في طريق التنمية المستدامة، رغم نداءات، من يطالبون بتنمية الجيوب.