الحديث حول الدعم يثير مخاوف المصريين

الحدث الأربعاء ١٢/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
الحديث حول الدعم يثير مخاوف المصريين

القاهرة - خالد البحيري

سنوات عدة، لم يتوقف فيها الجدل في مصر حول الدعم الذي تقدّمه الحكومة على السلع الغذائية والمواد البترولية والطاقة، ومع تعاقب الحكومات وتغيّر الوزراء لم يُحسم الأمر بشكل النهائي، باستثناء محاولات لسد ثغرات تسرب السلع المدعومة إلى السوق السوداء، وقطع الطريق على «مافيا» التلاعب بأقوات الناس من تحويل مسار الدعم من الفقراء إلى جيوب رجال الأعمال وطبقة الأثرياء.

مجدداً، عاد الحديث للإجابة عن تساؤل: هل تقدّم الحكومة الدعم بصورة سلعية؟ أم تحوله إلى نقود يتسلمها المواطن مع إلغاء منظومة بطاقات التموين، وتحرير أسعار جميع السلع والخدمات وفقاً لقاعدة العرض والطلب والأسعار المناظرة في دول العالم المختلفة؟
«الشبيبة» استطلعت رأي الخبراء للإجابة عن التساؤل السابق في السطور المقبلة.

آثار سلبية

أستاذة إدارة الأعمال بأكاديمية طيبة، د.سوسن عبدالحميد مُرسي، قالت إن البحوث أثبتت أن الدعم بشكله العيني له آثار سلبية على اقتصاد الدولة، منها تزايد معدلات الاستهلاك والتضخم، وعجز ميزان المدفوعات. وأضافت أن دعم السلع أوجد شعوراً لدى المواطن بحتمية وجود الدعم «حتى لو كان لا يحتاج إليه» وقد يوجِد بيئة خصبة للتلاعب والفساد، ومن ثم فإن الأولى إلغاء الدعم العيني وتحويله تدريجياً، أو كلياً إلى «نقدي» وإلى حين يتم ذلك يجب اتخاذ آليات منضبطة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.

سلع أم نقود؟

أما أُستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس د.يُمنى الحَماقي، فقالت: الأفضل من مناقشة هل يجب تقديم الدعم في صورة سلع أو نقود أن تقوم الدولة بتمكين الفقراء اقتصادياً، عبر المشروعات الصغيرة ومُتناهية الصِغر، ومن ثم يستغني الفقراء تدريجياً عمّا يحصلون عليه من الدولة.
وأشارت إلى دراسة حديثة قامت بها عن مبادرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتوفير 200 بليون جنيه (نحو 12 بليون دولار) لدعم المشروعات الصغيرة ومُتناهية الصِغر بفائــــدة ميسّرة لا تتجاوز 5 %، موضحة: «لم تنجح المُبادرة في تحقيق أهدافها حتى الآن».
ومع تخطي نسبة الفقراء في المجتمع المصري 30 %‏ رجّحت الحماقي كَفة الدَعم النقدي، وأضافت أن الدعم العيني يؤدي لما يُعرف اقتصادياً بتشوه الأسعار، وبالتالي عدم الاستغلال الأمثل للمواد.
وأكدت أنه حال تحويل الدعم العيني إلى نقدي، يجب أن يكون الخبز هو آخر ما يُرفع عنه الدعم فهو «أساسي للمواطن المصري الفقير، وضمان ترشيد المنظومة وتوصيل الدعم لمُستحقيه إنجاز مهم في هذه المرحلة».

قاعدة بيانات

وفي السياق شدد أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومساعد مدير صندوق النقد الدولي الأسبق، د.فخري الفقي، على ضرورة وجود قاعدة بيانات قوية تساعد في تحديد مَن يستحق الدَعم أياً كان نوعه، مع الأخذ في الاعتبار أن الدعم السلعي أو العيني قد أدى إلى تشوه الأسعار وأوجد سعرين لكل سلعة وفتح الطريق لـ»مافيا الدعم» أن تتاجر بحقوق الفقراء في السوق السوداء.
وأشار إلى أن هدف الدعم منذ خمسينيات القرن الفائت كان نبيلاً حتى تحول الآن إلى وسيلة لاسترضاء شريحة عريضة من الشعب، ووسيلة للمُقايضة نتج عنه ما أُطلق عليه «حزب القاعدون» يساومون المسؤول على بقائه في السلطة مقابل أن يقدّم لهم دعماً على المواد الغذائية والسكن ومواد الطاقة وغيرها من الخدمات.
ودعا إلى غلق باب المُساومة، وإصلاح منظومة الدعم ليتحول إلى نقدي مع بعض الاستثناءات، «ذلك سيعود بالنفع على الدولة ويؤدي إلى خفض عجز الموازنة وخفض الزيادة في الدين العام».

رؤية الحكومة

أما وزير التموين د.علي مصيلحي، فأكد أنه لا يُنوى المَساس بدعم السِلع التموينية فهي تشكل 4 %‏ من إجمالي الدعم، في حين أن دعم المواد البترولية والكهرباء يلتهم نصف الميزانية المُخصصة. وأضاف: «لا أقلل من أهمية قواعد البيانات وقد بدأنا في عمليات التدقيق وحذف المُكرر من أول أبريل الجاري وتم تصحيح ثلاثمئة وخمسين ألف بطاقة حتى الآن»، ومن المُقرر أن تنتهي هذه الخطوة قبل بداية السنة المالية الجديدة في يوليو المقبل، ولكن الانشغال بتحديد الفئات المُستحقة فقط يؤدي إلى إهدار الجهد والوقت من أجل توفير نسبة لا تتعدى الـ20%‏، وتابع: «لا أنظر لدعم الخبز والزيت والسكر.. بل في كل الخدمات المُقدمة».
كما قدّم حلاً للأزمة يبدأ بتسعير حقيقي لكل خدمة، وإعادة حساب التكلفة مع رفع كفاءة النظام بعدة آليات منها تقليل التسريب والتكرار وخفض نسبة الفائض في المَخَابِز والشركات القابضة، بالإضافة إلى زيادة فاعلية الخدمة، وفسر ذلك قائلاً: «لو رفعت الدعم عن البنزين لن يتأثر المواطن الفقير، وبالمُقابل أحسّن جودة رغيف العيش الذي يحتاجه».
ثم تأتي الخُطوة الثانية وهي دراسة خصائص الأسر وتحديد الفئات الأضعف، فالأقل والمتوسط وفوق المتوسط، وبذلك يتم الإجابة عن سؤال «من يستحق ماذا؟»
والخُطوة الثالثة والأخيرة تمثلت في وضع الآليات اللازمة ومن أهمها «بناء الثقة مع المواطن بخاصة الفقراء وليس المُستفيدين من الوضع الحالي».
ووصف المصيلحي أزمة الدعم أنها صراع بين المُستفيدين والعناصر التي توصل الخدمة، فأغلب الدعم يضيع في توريده وتخزينه وغيرها من المراحل التي يمر بها حتى يصل إلى يد المواطن.