عن فتاة النابالم والمحتوى الإباحي على الشبكات الاجتماعية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
عن فتاة النابالم والمحتوى الإباحي على الشبكات الاجتماعية

موسى البلوشي
@mo_balushi

لم يكن يدري مصور وكالة «اسوشيتيد برس» في العام 1972 وهو يلتقط صورة مرعبة لأطفال هاربين من قنابل النابالم التي كانت تتساقط من السماء في حرب فيتنام، وفي الوسط تبدو فتاة عارية تجري بجسدها الضعيف -لم يكن يدري أن هذه الصورة تؤرخ مرحلة مهمة من مراحل التاريخ، ورغم حصلوها على العديد من الجوائز، إلا أن القصة لم تنته عند ذلك التاريخ وتلك الحقبة بل طرقت باب الشبكات الاجتماعية وتحديداً عبر فيس بوك وعادت للواجهة من جديد بعد أن قامت إدارة فيس بوك بحذف الصورة من حساب رئيسة وزراء النرويج على فيس بوك معللة أن الصورة تخالف سياسة العري في هذه الشبكة!

أثار القرار العديد من ردود الأفعال الغاضبة تجاه قرار الشبكة، وأبان القرار عن ازدواجية تمارسها الشبكة نفسها، فبينما تضج شبكة الفيس بوك بصفحات ومجموعات وحسابات تنشر العري والمحتوى الإباحي، ومحتوى غير لائق لشخصيات مشهورة من فنانات وممثلات، تأتي لتحذف صورة تحمل أبعاداً إنسانية وثَّقت لحظات مهمة من حدث تاريخي عصف بالعالم!
وتأكيداً على الازدواجية التي تنتهجها هذه الشبكة قام فريق من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بالإبلاغ عن 100 صورة من صفحات ومجموعات وحسابات أطفال تتضمن إيحاءات جنسية، وبعد التحقق قامت إدارة فيس بوك بحذف 18 صورة فقط!، وبعد تواصل الفريق مع الفيس بوك كان الرد بأن الصور لا تخالف قوانين النشر على الشبكة الاجتماعية!
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، مسؤول في هذه الشبكة طلب الصور وقام الفريق بإرسالها ليقوم هذه المسؤول بإبلاغ الأمن أنه حصل عليها من فريق من الصحفيين، وكان تعليق فيس بوك على هذه الخطوة بأنها صور غير مقبول تداولها أو تبادلها لذا تم إبلاغ الأمن!
بقية المنصات والتطبيقات ليست بعيدة عن هذه التصرفات، فتطبيق سناب شات يواجه دعاوى قضائية لنشره محتوى إباحياً على خدمة Discover، ففي الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت إحدى الأمهات أن محتوى فاضحاً يعرض على هذه الخدمة في سناب شات فقامت مع ابنها برفع دعوى قضائية ضد التطبيق.
منصات التدوين ليست أفضل حالاً من هذه الشبكات فجوجل التي تملك خدمة بلوجر للتدوين أعلنت عن قرار يقضي بمنع المحتوى الإباحي في مدونات بلوجر لكنها تراجعت بعد مدة قصيرة وأعلنت أنها ستقوم فقط بحذف المحتوى الإباحي الذي يتم نشره فقط لأغراض تجارية، فيما عدا ذلك لن يتم حذفه!
علينا الاعتراف أن التركيز على حلول تقنية لمواجهة المحتوى الإباحي على هذه المنصات كضبط إعدادات الأجهزة حسب الفئة العمرية، وتقييد تحميل التطبيقات، وتشغيل إعدادات تصفية المحتوى في يوتيوب وغيرها، ليس كافياً لوحده في مواجهة هذا المد وهذا الضخ الهائل من المحتويات الموجهة، وعلينا التعويل أكثر على أفكار بعيداً عن سياسات هذه المنصّات، وتحليل ودراسة سياسات هذه الشبكات والمنصات وفهمها جيداً ومن ثم بناء أدلة لتعامل الأطفال والمراهقين وأولياء الأمور معها ونشرها في المؤسسات التعليمية، والبحث أكثر في مسألة الآثار الاجتماعية والثقافية لهذه المنصات ومحتواها، ومن ثم تطوير أساليب تربوية وتعليمية تواكب ميزات هذه المنصات وتتحدث عن أفضل الممارسات وتطرح أفكاراً خلاقة للاستخدام الأمثل لهذه الشبكات كنشر العلم والمعرفة وتوثيق التجارب الناجحة، باختصار: علينا بناء المعرفة الخاصة بنا على هذه الشبكات.
كما يمكن ربط استخدام هذه الشبكات بمحتوى من منصات أخرى تحمل الأسلوب نفسه والفلسفة ذاتها من مشاركة المعلومات والتجارب كمنصة كيورا الشهيرة وهي منصة للأسئلة والأجوبة تحظى باهتمام كبير من المختصين في المجالات المختلفة الذين يشاركون بمنشورات علمية وتخصصية غالباً ما تكون مطولة وتحفّز على التفاعل، وفيها من الإضافات ما يزيد من معارف وخبرات المتابعين.