بين السياسي.. والديني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
بين السياسي.. والديني

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

كان المرشد السياحي يروي سيرة الملكة الفرعونية حتشبسوت، وكنا وقوفاً أمام معبدها، باذخ في جماله وهيبته، ذي مستويات عدة، يصل أعلاها من تقدم في مسالك الرتب الدينية أكثر فأكثر.

لم أجد في الحكاية ما يختلف منذ آلاف السنين، رجال الدين الذين يبررون للسياسيين ما يرغبون فيه من مكوث على العرش، فما المانع أن تجلس امرأة على عرش الفراعنة لتحكم مصر العظيمة طالما أنها نالت بركة الكهنة، ورضاهم حينما فطنت إلى أنها لن تبقى ملكة إلا بهذا الرضا، فعرفت الطريق إلى ذلك، كما أقامت معبداً ضخماً لهم.
كانت حتشبسوت، التي تعدّ أشهر الملكات في التاريخ، وخامس فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، ذكية بما يكفي لترسم خططها حتى قبل أن يتوفى زوجها الملك، وهو أخوها كما هي عادات الفراعنة، وكان من المفترض أن يحكم ابن زوجها (تحتمس الثالث) لكنها أخبرت الكهنة بما يحبون سماعه، قالت لهم إن الآلهة تريدها أن تحكم لأنها من نسبهم، لكن شعب مصر لم يتقبلها، وكان لا مناص من فن الخداع، قدمت نفسها كرجل في التماثيل مرتدية لحية وملابس رجالية، وتتحدث عن نفسها بضمير المذكر، وتحمل ألقاب الرجال.
تمتد الحكاية متواصلة.. في سائر الديانات، السماوية والوضعية، تبقى العلاقة بين السياسي ورجل الدين منزوعة الأظافر، قابلة لوضع الأهداف كما يشتهي الحاكم، والأدلة الدينية جاهزة لتمرير ما يراه، أو السكوت عنها.. على أقل تقدير.
في زمن الحروب الصليبية وجدت أوروبا (المسيحية) ما يؤيدها في حروبها ضد الآخرين، خاصة البلدان الإسلامية، حين حمل راية المسيح المرتزقة والمجرمون مدفوعين بأهداف توسعية واستعمارية تقتات من دماء بشر آخرين لأجل أن يشربها الجالسون على عروش القارة الشقراء.

✱ ✱ ✱ ✱
وفي زمن الفتنة بين علي ومعاوية وجد أتباع الطرفين ما يؤيد مقاصدهما في رجال الدين القادرين على تأييد المواقف بما تيسر حتى من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.

ويمكن المضي إلى ما شاء القارئ، دون الوصول إلى العصر الراهن لصعوبة السير (كتابياً) في مزالق تثير حساسية، حيث الاستعصام بالدين لتمرير الأفكار والإيديولوجيات السياسية بمنظور ديني، حيث رؤية السياسي منطلقها ديني، ويجد من يدعمه من «المتعممين»، أيا كانت ألوان العمائم وأشكالها.

✱ ✱ ✱ ✱
في زمن الملكة الفرعونية حتشبسوت كانت العلاقة توافقية بين العرش والكهنة، لكن كان هناك مواطن مغلوب على أمره يخدم السلطتين، واحدة تعده بحياة كريمة في الدنيا.. وثانية بجنة عرضها السماوات والأرض.. إن اتبّع تعاليمهما.

وبين أملين يمضي المواطن المغلوب على أمره، سعادته إن أطاع، وتعاسته إن عصى، وأحيانا يشقى في دنياه من أجل رضا أسياد «اليوم» لعلّ الله يعوّضه عن صبره غدا.
وتستمر الحياة.. والأدوار.